اعتدت أنا وغيري من النساء في هذا المجتمع الذي يدَّعي الفضيلة على كلمات تلقي بثقلها فوق أرواحنا كأنها وصايا مقدسة "جسمك عورة"، "شعرك عورة"، "صوتك عورة"، وكأننا نحيا محاصرات بين جدران العيب والخوف، لكن ما زاد حرقتي هو أن اسم المرأة أيضًا أصبح عورة!
حين ينادي الرجل زوجته في الشارع لا يجرؤ على لفظ اسمها، ويستعيض عنه باسم ابنه أو بلقب عابر، وكأن اسمها طعنة تصيب رجولته، وكأنها مع وجودها ظلال عليه إخفاؤها؛ كي يبقى كاملًا في نظر المجتمع.
في الريف وفي الأحياء الشعبية يتفننون في إذلال الرجال بذكر أسماء أمهاتهم، كما لو أن اسم الأم خطيئة أو جرح لا يندمل.
حتى على مواقع التواصل تجد النساء يختبئن خلف أسماء وهمية، أو أسماء أزواجهن وأبنائهن، يعتقدن أن هذا مجرد اختيار شخصي، لكن الحقيقة أنه إرث ثقيل. لقد نشأن على فكرة أن أسماءهن لا تخصهن بل تخص الآخرين، وأن ذكر الاسم بصوت عالٍ كسر لقواعد غير مكتوبة، قواعد صنعتها العادات التي تحرمنا من الحق البسيط في أن نكون أنفسنا.
وفي الطبقات الراقية لا تختلف الحكاية كثيرًا، تُعرف المرأة دائمًا بعلاقتها بالرجل، فهي "حرم السفير"، "زوجة رجل الأعمال"، "كريمة اللواء".. أسماء تحاكي ألقاب الملكيات الخاصة، وكأننا في هذا العالم لا يمكننا أن نكون أشياء مكتملة بذاتها، بل مجرد امتداد لآخرين.
لكن ماذا عنا نحن؟ عن أحلامنا؟ عن إنجازاتنا؟ عن أسماء حملناها منذ ولادتنا؟ تلك الأسماء التي أُعطينا إياها علامةً على وجودنا؟ لماذا تُطمس وتُخفى، ويُعد النطق بها خزيًا؟
أنا اليوم، وأنا أكتب هذه الكلمات، أسترجع حكايات أمهاتنا وجداتنا اللواتي حُرمن من حقوقهن البسيطة، أسترجع لحظات قُدِّمت فيها المرأة للعالم كظل لرجل لا كشخص بذاته، لكني أرفض أن أكون واحدة منهن، اسمي ليس عورة.
أنا امرأة، وُلدت باسم، وسأحيا باسمي، وسأظل أحمله بفخر. لن أسمح لمجتمع يرى فيه وصمة أن يمحوني. أنا هنا باسمي، إنسانة لها كيان، لها صوت، لها قصة تستحق أن تُروى، اسمي هو عنواني، وهو حقي الذي لن يُسلب مني.
وأقول لكل من يقرأ هذه الكلمات: علِّموا بناتكم أن أسماءهن ليست عيبًا، بل إرثا جميلًا يحمل هويتهن. علِّموهن أن يكونن فخورات بأسمائهن كما هن فخورات بإنجازاتهن. أما أنا فأعدكم أنني لن أسمح لأحد أن يناديني إلا باسمي؛ لأن ببساطة اسمي ليس عورة!
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.