لا تناقش عقلك حتى لا تصاب بالجنون.
تلك الكليمات التي سُجنت معها داخل شخصيتي غير الانطوائية تارة والمتحفظة تارة أخرى، لكنني لم أفعل!
اقرأ أيضًا: خاطرة «ليست النهاية».. خواطر وجدانية
لقد هربت من هذا السجن المظلم نحو النور الذي طالما كان صوتًا يناديني نحو البحث عن ذاتي في هذا الكون الفسيح وبين تلك الأجساد المتلاحمة.
كانت نظريتي تجاه الآخرين أنهم أناس يصيبون ويخطئون، فكنت أتعامل معهم بتعاملي نفسه مع شخصيتي، لكنني توقفت عن هذا الهراء.
حينما كنت ذاهبًا إلى إحدى دور العرض لمشاهدة فيلم دفعني شخص بيده، فتعحبت قائلًا: ماذا تفعل أيها المختل؟
نظر إليَّ بعين ثاقبة ورأسه تتمايل يمنة ويسرة، ولم ينطق بكلمة واحدة حتى استبقتْ أقدام الرجل الذي كان يرافقه، وأتى نحوي قائلًا:
- أنا آسف، فأخي لا يدرك ما يفعله.
- فقلت له: لماذا؟
- إنه مختل.
تلك كانت إجابته.
فكانت تلك الكلمتان بمنزلة الكنز الذي كان يروضني دون أن أعثر عليه، وكأنني أمسكت به عندما تساقط من فم هذا الرجل، "إنه مختل".
أنا لا أحمل بين يدي كتيبات الحكمة، لكنني أدرك أن الحكيم لم يولد حكيمًا، كذلك اللص لم يولد لصًا.
فأنا لست مغايرًا للآخرين، لكنني أجعل من عقلي يدًا أطرق بها أبواب الآخرين دون أي معاناة.
إذن، السؤال الآن هو ما الفرق بين هذا المختل وغيره من البشر أصحاب العقول السليمة؟
الناس تتعامل مع بعضها البعض بشتى أنواع الطرق، الباطنية منها وهي أن يظهر نقيض ما يبطن، ويوجد من يتعامل مع كل عقل بذاته، ويوجد أيضًا من يجعل التلقائية أسلوب تعامل مع الآخرين، والأمثلة كثيرة.
إذن، ما فعله هذا المختل في أثناء دفعي تمامًا مثل ما يفعله الناس بعضُهم ببعض، المختل غير قادر على استيعاب الأمور، غير قادر على اتخاذ قرار مصيري، غير قادر على أن يفصح عما في داخله من شعور، كذلك الناس يخفون ابتسامتهم خشية أن يرى أحدهم تلك الأسنان الصفراء المتهالكة.
يخشون النقاشات خوفًا من اصطدامهم بعاقل تارة أو مجنون تارة أخرى، فيصابون بالإرهاق أو بالتعب النفسي.
إذن، إنهم مختلون.
عندما يدرك الفرد أن ما يفعله هو الجنون بعينه، ويتغاضى عن النتيجة السلبية، ويتمادى فيما يفعله، هل هذا بعاقل أم مختل؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.