عايدة عمار فرحات مايو 8, 2023, 3:43 م

خاطرة "إنسان العصر".. خواطر وجدانية

بيتي من زجاج لن ينكسر مهما رميته بالحجر، وثيابي عليّ كلما أردتُ تتبدَّل، كما أحب أو كما تحب لا يهم الأمر.

شعري طويل أسود وأحيانًا أشقر أو أحمر، لا يشيب، لا يتقصف، لا يذبل، دائمًا في المظهر نفسه.

أسناني مصطفة بيضاء نقية كأنها لآلئ خيالية، مصنوعة بعناية وبانتباه أكثر.

لي بشرة كما أحبها كبشرة الأطفال، لا تتجعد، لا تترهل، لا تشحب، لا تتآكل، كلما أردت أنزع وأضع وجهًا آخر.

أثاثي لا أكاد أحفظه، فأنا دائمًا أغيره كلما جد جديد أنا أولا أستقبله.

في بيتي العديد من الآلات والكثير من الأزرار، كلها تعمل لمصلحتي إذا أمرت أو تنحنحت أو أومأت أو لوحت أو حتى دخلت ومرات إذا تنفست.

عيناي زرقاء، خضراء، سوداء، أنا فقط أرمش، أغلق وأفتح، وهي فورًا تتغير.

أولادي لا أتعب معهم البتة، في الولادة أو التربية أو العناية بكل مستلزماتهم، أو في الدراسة، كل شيء يسير على ما يرام، إني مرات لا أسأل، لا أنتبه فجأة أجد من كبر ومن صغر ومن رحل ومن اختفى لا يهم.

أرضي وسمائي هي فراشي وغطائي، لا أخشى منهما تقلبات الجو أو تحركات لا تسر أو انقلاب أو تدهور.

سياراتي كثيرة وساعاتي لا حصر لها، كلها لها نفس العمل ونفس الوظيفة، لكن أحتاج في كل مرة أن أبدل وأستمر حتى لا أمل، وأظل دائمًا أتفاخر.

الناس من حولي يلتقطون لي الصور، ويصرون على ظهوري بأبهى منظر، وفي وضعيات عدَّة، هكذا وهكذا وهكذا، المهم أنا مركز العالم والمحور.

أنا أطير وأمشي وأبحر وحدي؛ لأني أكره الزحام والتزاحم، آكل بإتيكيت معين، وأستحم وألبس وأتزيَّن، وأخرج شخصًا آخر.

أزراري مفتوحة وصدري يطل للخارج، ويبقى ينظر ويراقب الأعين ويغمز استديري نحوي أنا جاهز لأحلى الصور في أغلى مجلة وبأجزل راتب.

ملابسي لا يمكن أبدًا أن تستر، لا بد أن تبدي نقاطًا أو مساحات أو أماكن أو كل أو بعض، المهم فأنا لا أتحمل أن أحاط كالمومياء بشريط طويل ملفوف لا مجال فيه للتحرُّك أو التمايل أو الرجوع للوراء أو الإقبال أو الانحناء أو التمطط.

لن تصدقوا، كل ما أفكر فيه أراه أمامي يزحف ونحوي يسرع، ويترجاني أن به أقبل، وأنا أتكبر مرات ومرات لا أستطيع إلا التكبر.

أين أنا بين كل هذا لا أعلم؟ مرات لا أدري ماذا أفعل؟ وأحيانًا أين يجب أن أذهب وماذا أقول، حتى إن أردت أن أستدير لا يسمح لي إلا بالحصول على رخصة أو أمر بمهمة أو تلميح في سطر؟!

بقلم عايدة عمار فرحات

تماما كما في الصورة أضيء نفسي لأضيء للآخرين. رقم الواتساب: 213.798.63.09.92+

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

ندى علي خلف

مايو 8, 2023, 6:32 م

جميلة 👍

أضف ردا