من المعروف أن لكل فرد منا ميوله وعوالمه الخاصة به، تلك التي يجد نفسه فيها دون أدنى حرج أو تصنُّع، بل هو تصرف بريء في غالب الأحيان. وقد يترتب عن ذلك بعض ردود أفعال غير مقبولة من بعضهم، وكأن مسيرته تلك تُقلق راحتهم، أو أنها تشغل بالهم من بعيد أو من قريب. وهذا أيضًا قد يُترجَم بأن دور كل فرد من أفراد المجتمع الإنساني، له شأن ما وقيمة معنوية ما في حياة الآخرين.
أي أن الإنسان منذ أن صار فردًا اجتماعيًّا، لم يعد له الحق في مزاولة أي نشاط هو حر فيه. بمعنى أيضًا، أنه رغم أن لكل شخص عالمه وخصوصيته، قد يغيب عن باله أنه موثوق بأعراف وقوانين وضعية في أغلب الأحيان، وقد يحسب أنها دائمًا تنحاز لمصلحته، في حين توجد ظروف أو حيثيات تفرضها قوانين أو إكراهات محيطه.
فتصبح من المسلَّمات، دون أن يصوِّت أو يدرجها على لائحة أولوياته، كونها حقًّا من حقوقه في مجتمعه، فتُشرَّع وتُسنُّ بنود ومبادئ قد لا تناسب الأقلية، في حين تُقبل عند العامة، وكأنها منزَّلة من السماء. وهكذا تأخذ الأمور في جُل تجلياتها لدى المجتمعات النامية وأقلها منزلة على سلم الوعي الجماعي، وكذا المستوى الثقافي بصفة عامة.
في حين، نجد أن أممًا أخرى قد تجاوزت هاته المدة بعقود. طبعًا، بعدما صارعت كل مخلفات ماضي تاريخها مهما كانت ظروفها وأحوالها الاجتماعية منها والثقافية بل والاقتصادية كذلك.
لكن بعد معاناة إنسانية، من ويلات الحروب وآفات الأمراض المعدية وغيرها وندرة آفاق علمية مستقبلية، بجانب سطو براثين الجهل والأمية على عقول تلك الأجيال، التي كان همُّها الأكبر، هو وليس غيره، البحث عن لقمة عيش كريمة بالدرجة الأولى، ثم أن يسلم من جور الأقوى، مهما كان شأنه في هرم مجتمعه آنذاك.
ولا مجال للمقارنة بين أمس واليوم، ولا بين الحاضر والمستقبل القريب، وذلك في جميع الميادين التي قد تتبادر إلى الذهن. وأكيد، أنه سوف توجد فوارق مختلفة الأبعاد والتطلعات، لا على مستوى وعي الفرد كونه عنصرًا أساسيًّا في المجتمع، ولا كيفما كانت وضعيته الاقتصادية والسياسية كذلك.
وعلى هذا، فمقارنة الشأن العام في مجالات أخرى منها الاجتماعية وكذا الثقافية منها إلى غير ذلك من مظاهر الحياة البشرية، بغض النظر عما يمس الفرد من كثب، من فطرة ومكسب كإرث سيكولوجي محض، أو كمرجع أيديولوجي، أو كانتمائه لتيار أو حركة ثقافية أو عقائدية أيًّا كانت كذلك، لهو مجرد تحصيل حاصل لا غير.
والمقصود هنا، أنه قد يجب على كل فرد ذي كمٍّ وكيفٍ معرفي معتدل، أن يشارك في نشر المعلومة الخلاقة حسب الاستطاعة المطلوبة والإرادة الممكنة مهما كان نوعها، فقد تأتي أكلها آجلًا أم عاجلًا؛ لأن الغاية هنا، لا تقتصر على إدلاء برأي ما أو كسر سكون أو جمود حال أو ظرف، لمستوى الثقافة وسبل التعلم عند مجتمع دون آخر.
بل، إنها مسألة قد تفوق مراميها معالجة معضلة، أو بالأحرى، وضع الأصبع على مواطن ضعف بمجال من مجالات قليلًا ما يتطرق لها أحدهم. وغيرها من الأسباب التي قد نستهين بها لجزئياتها أو لفروعها المتباينة. لكنها بالتأكيد، تصب في صلب الموضوع الذي يؤرق أرباب المجتمعات الكبيرة والمتفوقة في فضاءات ومجالات عدة.
وهكذا، فالكل يعمل والكل يتحرك والكل يتحول من حالة إلى أخرى، ومن مكان لآخر، والكل يسبح في مجاله، وقد يكون ذلك لأنه يجد استقراره في تحركاته وأنشطته، بعضها ينشأ من جديد وبعضها يشيخ ليتحول إلى شكل آخر، أو إلى حجم آخر، ليؤدي دورًا آخر وهكذا، وما خفي قد يكون أغرب مما يلاحظ.
وتبقى إشكالية هذه الصيرورة، مطروحة بلا جواب مقنع، ودون معرفة سر الغاية من وراء هذا الخلق العجيب، المبني بأسلوب عبقري كهذا.
في حين، نسلِّم نحن أبناء هذا الكوكب الجميل الذي قد يكون تمخَّض عن وجود أحداث نجهل كثيرًا عنها، بأن مصير حياتنا ها هنا، مرهون ببقائه سابحًا بين كواكب وأجرام أخرى، أصغر وأكبر منه وأقرب وأبعد منه، وأسرع وأبطأ منه، لكنه قد يكون متفوقًا عليهم بسكانه وضيوفه باختلاف أصنافهم وتنوع أشكالهم، ومن بينهم بنو البشر طبعًا.
والمقصود هنا أيضًا، أننا سنمكث ها هنا إلى أجل غير مسمى؛ لأن هذه الأرض أصبحت ملكنا بالتقادم، ولأن الخالق قد أراد أن يرى استمرارية خلقه لحكمة لا ندريها.
أما عملية الحفاظ على هذا التوازن ما بين مخلوقاته، فقد تكون لأنه قد جعل لكل أنثى ذكرًا، وهذا الأخير حمله عبء المسؤولية الكبرى، ألا وهي العناية بما ملكت يمينه، ولقد جعل منه همزة وصل بينه وبين أنثاه، لكي يثبت سلالته دون انقطاع. ولو أنه قد تندثر بعض الكائنات الأخرى، لكن سلسلة حلقات جنس بني البشر هي الأبقى.
لذلك فمصيرنا على مركبتنا الأرض ما زال قائمًا؛ لأن قاعدة الخلق تقوم على فلسفة البقاء للأقوى. لهذا سيظل الجنس البشري على حاله كذلك إلى الأبد، ولكن بشروط الخالق حتمًا، ألا وهي الحفاظ على توازن مكونات الأرض بكل ما فيها وما عليها، من كل أنواع المخلوقات الحية الموجودة في عصرنا هذا.
وذلك، إن صان بكل ما لديه من قوة وعزيمة، جل مظاهر الخطر المقبل في المجال العالمي والتحديات الكبرى التي تطرحها التغيرات المناخية، والناتجة أساسًا عن الأسباب التالية وأهمها:
- نقص في معظم الموارد المائية.
- استنزاف جل الموارد الطبيعية.
- تلوث الماء والتربة والهواء.
- تدهور التربة جرَّاء تفاقم التصحر.
- تخريب الغابات والنباتات الطبيعية.
- تراجع التنوع الحيوي وانقراض الأحياء... إلخ.
تختلف أساليبنا في التعامل مع هذا الواقع المضني، رغم أن مصيرنا مشترك بإرادتنا، أو قد نكون مرغمين على اتباع نوع من أنواع التقليد في هذا الصدد، كظاهرة إنسانية يراد بها ربما التميز، وأحيانًا التباهي بركوبنا على موجات المعاصرة. أما العنصر الأهم لهذا التصور أو المنهج، نحو تمكين الفرد منا بأن يندمج مع جماعته، أو بالأحرى في مجتمعه، فتبقى قدرته على امتلاك النفَس الطويل لمجابهة كل الطوارئ المتوقعة وغيرها، كالحل الوحيد في ذلك.
وبذلك، تحضير خطاطة استباقية من أجل خلق مساحة كافية للتساكن فيما بين الفرد وجماعته، في سلام وأمن، لبلوغ استيعاب مفهوم التعايش السلمي. بعد المصالحة مع النفس أولا ثم مع الآخر، عندئذ قد يتوصل في الأخير، كل من الفرد وذويه أو الآخر بصفة عامة، على القدرة لتنظيم وتحسين ظروفهم وأحوالهم بصفة خاصة. ثم توجد إشكالية مزج الثقافات دون تعصب ولا تمييز، وكذا القدرة على الاحتفاظ بكل مكونات المجتمعات، كلٌّ على حدة، حسب أطيافها وانتماءاتها العرقية والدينية، إلى آخره من شروط التعايش الاجتماعي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.