خاطرة "إشكالية المعاصرة بذيل الأصالة" ج2.. خواطر وجدانية

المؤشر الاقتصادي الذي دونه قد تتعطل كل المحاولات في تدبير الشأن العام، خصوصًا وأن هذا القطاع يعد عماد تأسيس واستمرار وجود كل المجتمعات منذ الأزل؛ لأنه عصب كل الأنظمة المجتمعية مهما كانت قلة مواردها الطبيعية أو البشرية، الشيء الذي يؤلف ذاك الهاجس المادي، الذي يسعى وراءه كل فرد عاقل من أجل أن يحقق ذاته بالدرجة الأولى، أي أنه قد يتمكن من جعل مستوى نمط حياته أحسن وأرقى، أو في الأقل أن يساير مجرى الحياة العامة كباقي بنو جلدته.

وبذلك، قد يخطط لما يراه، منفذًا لسلك طرق جديدة في تدبير شؤونه على أحسن ما يرام، وذلك لجلب أكبر كم ممكن من الرقي والرخاء بصفته حقًّا من حقوق الإنسانية.

هي دوامة تستهوي كل من دخلها راغبًا أو مرغمًا، وهي أيضًا ما نسميها «ماهية الحياة»، فلا أنت عنها غافل ولا أنت في وضعية الاختيار. بل قد لن تنتبه بأنك واقعًا في فخها، وإن أنت لم تحاول أن تتصرف بأسلوب خاص وحذر حيادها، ستجد نفسك مكبلًا بقوانين زجرية وأنظمة لن تتجرأ على تجاهلها؛ لأنها القاعدة عند العامة.

أما حالتك الاستثنائية، فقد تجلب لك الجلبة وقد تقودك إلى ما لا يحمد عقباه، لهذا فسياسة الأقوى هي الأعلى، ولا تخالف. وأما دونها، فليس إلا زوبعة في فنجان. وبعد هذا المخاض الخاص في الشأن العام، يتضح لمن كان لبيبًا أو ناضجًا، أنَّه عليه أن يتناول الدرس من البداية، وأن يجعل في حسبانه أن محاولة فهم كل شيء في هذه الدنيا، قد يبدأ من هضم الجزئيات.

ثم نبحث عن وسيلة ملء ذاك الفراغ الداخلي، الذي يعارض جل أهدافنا المصيرية، لكي نبقى أحياءً. فتجدنا نحاول مسايرة تلبية رغباتنا الأساسية منها والثانوية، من ملبس ومأكل ومسكن وباقي وسائل النقل والتواصل فيما بيننا، وكأننا نستأنس ببعضنا البعض في سبيل أن نقتنع بوجوب هذه الصيرورة، رغم مرارتها أحيانًا.

وبذلك، فنحن نسهم في ترسيخ فكرة تقبل الإقامة الدائمة ها هنا، وكذا نشاطر الآخر في أسلوب التفكير أو فلسفة عيشه وأشياء أخرى. وقد نتهافت على اللحاق بركب ما يسمى بالمعاصرة أو العولمة وغيرها من نماذج التحضر، فقط لنروض أنفسنا على تقبل حالنا كما نحن، ولكي نستمر في الجري وراء إنسانيتنا، التي أمست كالسراب ونحن نعلم هذا، لكن لا نقاوم؛ لأننا ننجرف إلى هاوية الوجود، إلى أمل جديد، وإلى حلم جميل، وإلى رغبة ملحة وإن لا، فهي ضرورة وهذه أسوء الحالات.

مع كل ما قد يحققه الفرد منا من اكتساب علم وتوفر على هالة الحكمة وكذا القدرة على تنظيم حياته داخل مجتمعه، تبقى مكانته في أحسن الظروف ثانوية؛ لأن قانون الوجود لا يسمح بالرأي المخالف لمرجعية الأعراف أو للدستور القائم بذاته، وكما أن وجود الفرد وحده لا يساوي الكل، ولو كان إمبراطورًّا. لهذا لا مناص أن يجازف بحقه في الوجود دون الآخر، أو أن يخاطر بما قد يسبب له الفشل أو الإحباط.

والعاقل لا يتمرد على الحق مهما كان محقًّا، أو على العدل ولو كان قاضيًّا، أو على القانون ولو كان ممن وضعوه أو قد يتطاول على جلالة المنطق حتى.

قدرنا أن نسافر بداخلنا ربما قبل أن نجوب أرجاء محيطنا الخارجي؛ لأننا قد ندرك بعدها، أننا أتينا إلى هاته الدنيا ربما كذلك قبل الأوان؛ لأننا كثيرًا ما نسعى إلى بلوغ أهدافنا كيفما صادفتنا الأيام، ومهما استقبلتنا ظروفنا، لربما كونها خشبة مسرحنا الوحيد الذي به كل منا يؤدي عليها مدة، مع احترام الجدول الزمني وحسب الدور المنوط به إلينا، فقد يكون دورًا رئيسًا أو ثانويًّا، أو لربما قد نمر به خلسة كشبح أو أقل.

والمهم هنا، أن نبرع في تأدية المهمة على أفضل حال، وذلك لنلمع أسماءنا من بين آخرين، ولنترك وقع بصمتنا في ذهن المتلقي، وقد نشق طريقنا إلى فضاء المجد بكل حزم وحنكة، ثم إنه هناك منا من يؤدي فقط دور المتتبع من وراء الكواليس الشفافة لحسابه أو لغيره كذلك.

وأيضًا، هناك من يدير اللعبة كمرشد أو كوسيط من بعيد، ولا يهتم لأن ينتبه له الآخر أو ينتقده، بل فقط، يريد أن ينعم بالظرف الآني، وأن يتغنى بما سيحصل عليه من بعد العرض الأخير، بعد أو قبل إسدال الستار لا يهم، لكن الأهم لديه هو أن يستجيب الظرف لمراده، وأن تفتح أبواب الخير والطمأنينة عليه.

ورغم ذلك يبقى السؤال المحير الذي قد يخطر ببال أي منا، ألا وهو كم من الوقت قد يلزمنا لكي ندرك بأننا بشر قد وجدنا هنا لغاية ما؟ وليس لمجرد أن نحيا مدة بكل ما تحمله لنا الأيام من مفاجئات متضاربة أحيانًا، ثم بعد ذلك ترحب بنا الموت بلهفة اللقاء لتأخذنا إلى عالمها الخفي ذاك. فيذهب قوم ويأتي آخر دونما سبب وجيه، الذي به قد ندرك أنه يمسي كسرًا دفينًا لا يجب أن نقلل من شأنه؛ لأن الغاية هنا، قد تبرر الوسيلة كذلك.

والحالة هاته، فما دمنا لم نجد أي جواب مقنع لسبب وجود كل هذا الموجود على هذه الحال وليس دونه، سوف يظل هذا الهاجس قابعًا على مخيلتنا إلى ما نهاية، رغم أن كل الظروف الطبيعية هي في مصلحة وجودنا ها هنا.

فما نحن قائمون هنا إلا بوجود هذا الكوكب المعتدل في كل نسبه، من هواء وماء وحرارة وبرودة وكذا كل ضروريات البقاء أحياءً.

وكذا هذا التوازن الخارق في كل ظواهر الطبيعة الأرضية، لاستقبال ضيوفه في أحسن حلة وأبهى مناظرها، لهو التساؤل نفسه الذي أرق تفكير العلماء قبل ذاك الكائن البسيط والناطق بما علم وبما يفعل، وقد يستمر في جدله إلى ما لا نهاية، من أجل أن يكتشف في آخر المطاف، بأنه لربما سيتغير وسيتحور لبلوغ صفة كاملة ومتكاملة قلبًا وقالبًا، وربما لكي يتحول من بشر ضعيف إلى صفة ملاك ذي قدرة باهرة.

كاتب عصامي ينقل لكم مشاعره بكل أمانة. شكرا لمنصة جوك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 6, 2023, 7:11 ص - لجين منير شاكر
ديسمبر 6, 2023, 5:39 ص - شيماء دربالي
ديسمبر 4, 2023, 12:50 م - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 4, 2023, 9:30 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
ديسمبر 4, 2023, 7:52 ص - ألولا عز الدين
ديسمبر 4, 2023, 7:21 ص - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 2, 2023, 3:30 م - قدوه نمر الشعار
ديسمبر 2, 2023, 8:20 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 2, 2023, 7:52 ص - نور الدين شعبو
نوفمبر 30, 2023, 11:37 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 29, 2023, 7:31 ص - سادين عمار يوسف
نوفمبر 28, 2023, 7:06 ص - أسماء مداني
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 11:52 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 27, 2023, 6:34 ص - بشرى حسن الاحمد
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 26, 2023, 9:51 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
نوفمبر 26, 2023, 9:27 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:52 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:35 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:01 ص - محمد بخات
نوفمبر 26, 2023, 6:32 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 10:41 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 8:28 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 23, 2023, 7:26 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 22, 2023, 2:20 م - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 22, 2023, 2:00 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 22, 2023, 6:45 ص - محمد بخات
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 20, 2023, 7:41 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 19, 2023, 1:27 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 19, 2023, 1:07 م - محمد بخات
نوفمبر 19, 2023, 12:07 م - أسرار الدحان
نوفمبر 19, 2023, 11:06 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 19, 2023, 10:03 ص - فاطمة محمد على
نوفمبر 19, 2023, 7:49 ص - شاكر علي احمد عبدالجبار
نوفمبر 18, 2023, 11:36 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 10:56 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 8:09 ص - شيماء عبد الشافي عبد الحميد
نوفمبر 17, 2023, 7:32 م - سادين عمار يوسف
نوفمبر 17, 2023, 6:13 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 15, 2023, 6:01 م - كامش الهام
نوفمبر 15, 2023, 2:57 م - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 15, 2023, 12:21 م - ساره محمود
نوفمبر 15, 2023, 11:00 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 15, 2023, 8:56 ص - حسن خليل سعد الله
نوفمبر 15, 2023, 7:54 ص - عمرو عبد الحكيم عوض التهامي
نوفمبر 14, 2023, 4:39 م - رزان الفرزدق مصطفى
نوفمبر 14, 2023, 4:16 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 14, 2023, 1:22 م - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 14, 2023, 9:41 ص - أسماء مداني
نوفمبر 14, 2023, 6:27 ص - أسماء منصور علي
نبذة عن الكاتب

كاتب عصامي ينقل لكم مشاعره بكل أمانة. شكرا لمنصة جوك.