خاطرة "إبريق الأحزان".. خواطر وجدانية

يتجرعه ولا يكاد يسيغه، وهذا الإبريق حزن ما يصوغه، وتدور هذه الأرض كما رأى بطليموس وأرسطو أنها مثل الكوكبة.

وهذا الإبريق ليس بإبريق دواء فخر الدين الرازي أو ابن سينا الذي به الداء، وهذا الإبريق لم تكن فيه القهوة العربية ولا الزنجبيل ولا الشاي الشهي، ولكنه مُفعَم بالأحزان التي لا تسلك الرئة حتى تحدث المشاكل في جميع الأبدان.

وإذا رأى إبريقاً على الأثافي ظن أنه تغلي الدنيا على نيرانها المحشوشة بحطب وخطْب وعطَب. ولكن الطفل الإفريقي لا يقترب منه إذا كان هو الذي رآه في هذه الحالة؛ لأنه سيظن أنه مجهَّز شفاء لمرضه الذي يريد أن ينحت في بدنه بيتاً آمناً.

لا يطيب وجهه إذا شرب من هذا الدواء العلقم، ولكن مرارة هذا الدواء وحرارته مما يحارب الأمراض والأدواء في الأبدان، ويعبس وجهه كلما رحّبت به أمعاؤه. ويسأل نفسه أسئلة متعجبا له.

شرِبْنا الأسى فالدهرُ وهو علاقم ** وما هو إلا بالسموم أراقمُ

إذا كان إنسان يعاني من مرض لا يُرجَى له بُرء، فإنه سوف يتمنى الموت، ولا تنفعه النصيحة؛ لأنه قد واجهه ما هو أكبر من طاقته، فإذا كانت الدنيا موصوفة بشيء لأنه يميل إلى هذا الوصف رضا وقبولاً؛ لأنه معروض على البلوى أكبر من أختها.

ولا يشكر الفقير الله على أحواله التي كان عليها إلا إذا رأى من هو أغنى منه ولا يملك صحة ولا قدرة على التنفس التلقائي، وقليلاً ما يصاب الفقير بما يصاب به الغني من الأمراض؛ لأن الفقير لم يكن منهج دنياه منهج الغني الذي يُشتاق إلى تناوله ما يضره من المأكولات والمشروبات.

الإنسان المتوسط لم يعرف أنه جل جلاله قد أتم عليه نعمة لم يتمّها على خلق سواه، ولكنه تطاول نفسه ذلك الغني الذي فتح الغنى باب الفتن والأرزاء والأدواء عليه، فلم يستطع الراحة ولو لحظة لأنه يخشى زوال هذا الغنى.

فهو هكذا يعيش حياته هذه على سوء الحالة، ويتطرَّق إليه حزن شديد إذا سمع بغرق سفينته التجارية، ومن هنا تبدأ مشكلة الأغنياء ولا تكاد تنتهي إلى يوم القيامة، ويزداد جوى إذا أُخبِر بانهداد إحدى شركاته المنتجة أو بانقضاضها. ويزداد أسى إذا نقص ماله دون علمه أو بعلمه. ولا يحاسب كم بذل وكم استثمر.

يقطع كل لياليه سهرا على طاولة المحاسبة، ولا يسمح لابنه بأخذ ريال أو ما هو أكثر من الريال؛ لأن قاعدته هي البخل بما يملك، والانحطاط الغِنَوِيّ يبدأ من خسران الشركات وحوادث الحافلات وتحطم الطائرات.

فإذا كانت تتكرر هذه الحوادث حينا لآخر، فإنه يصير إلى العدم حيث لا شيء يُذكَر له أثراً.

إن الحياة تُحَف بالضرّاء * وخلتْ - بلا شكٍّ - من السرّاء

وحوتْ أسًى وحوتْ مشاكلَ جمَّةً * وتبثُّها شجوًا بلا نعماء

تعمَى العيونُ عن الهداية والتُقى * وتزيدها غمًّا مع الأدواء

تسقي المرارةَ لا الحلاوة تفتدي * أبدًا لكل الروح والحوباء

إن الحياة مع الخداع لأهلها * بتلوُّنٍ تبدو وكالحرباءِ

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
Mar 19, 2023 - زكريا مرشد على حسن الشميري
Mar 15, 2023 - فتح الرحمن محمد أحمد عثمان
Mar 14, 2023 - د. حمدي فايد عبد العزيز فايد
Mar 12, 2023 - خوله كامل عبدالله الكردي
Mar 6, 2023 - طلعت مصطفى مصطفى العواد
Mar 5, 2023 - أحمد محي الدين الهادي محمد
Mar 4, 2023 - رانيا بسام ابوكويك
Feb 28, 2023 - سماح عبدالحليم حسن رخا
Feb 26, 2023 - سماح عبدالحليم حسن رخا
Feb 23, 2023 - محمد جمال عبد العظيم
نبذة عن الكاتب