معضلة تستوقف عقلي كثيرًا فتلح على قلبي بتلبية ندائها، فأبحث في ثناياها حيث تستوقفني دومًا الكثير من الحكايات التي حين أقرأ أو أسمع عنها أتذكر على الفور مشكلة البيضة والدجاجة وأيهما يسبق الآخر.
فهل تسبق البيضة دجاجتها أم ما يحدث هو عكس ذلك وأن الدجاجة هي من سبقت فأخرجت لنا بيضاتها؟ ومن ثم بدأت تلك الحيرة التي تتعقد وتتشابك خيوطها حين يمتزج السؤال في عقلي بنظرية التوالد التلقائي أو الذاتي للكائنات الحية والتي تقوم بدورها على فكرة نشأة الحياة من مواد غير حية (المركبات العضوية البسيطة).
وحينها أجد نفسي مضطرًا لإغلاق باب المناقشة مع نفسي مستحضرًا دور الديكتاتور وبنفس المقياس السابق أجدني أحيانًا ما أفكر في تلك الشعرة الرفيعة الدقيقة بين الجنون والإبداع فتارة أقنع نفسي أنه لا بد للمبدع من بعض الجنون وإلا كان مختلفًا عن العامة.
وتحول لخانة موظف إداري كملايين البشر من أصحاب أنماط الحياة المملة الرتيبة، وتارة أخرى أجد أنه من الأفضل إقناع عقلي أن الجنون هو وليد لتكرار المبدع لتجاربه وقراره الذي اتخذه يومًا للخروج من خانة المنفذين ملتحقًا بالمبدعين.
وعلى ذكر ما سبق تجد عبقريًا مثل (فيكتور هوجو) صاحب رواية من أيقونات الأدب (أحدب نوتردام) يقوم بعمل قد يلصق به تهمة جنون المبدعين فحين تأخر في تسليم روايته أحدب نوتردام لدار النشر وداهمه الوقت خلع ملابسه وظل عاريًا حتى يساعده ذلك على عدم مغادرة منزله.
ومن ثم إنهاء عمله طبقًا للوقت المحدد وهنا يظهر السؤال تارة أخرى لسطح عقلي: هل كان لدى هوجو جنونًا مخزنًا ناتجًا في الأصل عن عبقريته أم أن عبقريته هي التي أدت لمعالجة أموره بشكل غير تقليدي ونتج عنها ما حدث؟
وأزيدك من الشعر بيتًا فبعض الدراسات الحديثة قد أثبتت وجود علاقة طردية بين المبدعين غرباء الأطوار ومستوى ذكائهم العقلي.
وذلك بعد عدة سنوات قضاها العالم البريطاني (نيتل) في دراسته التي توصل منها لخلاصة جاء بها أن انتشار الفصامية بين المبدعين أكثر من الناس العاديين، وكما كان الحديث عن غرابة أطوار هوجو وجب التنويه أن أحد أعلام الموسيقى (شوبان) أيضًا كان لديه معتقد أن ألحان (بيتهوفن) مستوحاة من أرواح موتى المقابر، ومن جهة أخرى (تشارلز ديكنز) كاتب الرواية الشهيرة "أوقات عصيبة" والعالم (إسحاق نيوتن) كانوا جميعًا من غريبي الأطوار في عصورهم وذلك طبقًا لما ورد في مقال رحلة الإنسان لـ(جريس فرح).
أمّا مقولة (كيركيفارد) هناك شعرة دقيقة تفصل بين العبقرية والجنون فهي الأقرب لتحليل ونقد سؤالي الذي تسبب في إزعاجي لك، وكتابة هذا المقال بين أسبقية الجنون للإبداع أم أن العكس صحيح؟
وتبقى الأحاديث كثيرة والأقاويل أكثر والاتهام بالجنون وإن كان أقل وطأة من اتهامات أخرى طالت مبدعين وعباقرة آخرين من مجون وزندقة، ولكنه اتهام يظل المخرج منه يكمن ببساطة في القراءة الدقيقة لطباع الشخصيات من مصادر موثوق منها، فليس كل ما يكتب يصدق كما أن بعض الجنون درع واقٍ للعبقرية أقلها قد يبعد عنه سخافات وتطفل بعض البشر شريطة ألا يكون من ذلك النوع الذي يصل بصاحبه لمستشفيات العلاج النفسي والعصبي.
أما عن سؤالي فأصبحت على اقتناع أن الجميع يحتاج لتطبيق مقولة شهيرة فحواها (نحتاج بعض الجنون في حياتنا فالحياة العاقلة مملة جدًّا)، وسواء كنت من المبدعين أم من ملايين البشر العاديين، أما الفروق الدقيقة جدًّا بين العبقرية والجنون ستظل محل تساؤل وإثارة لكثير من العقول وربما وجد أحدهم حلًّا قاطعًا لتلك المعضلة وحينها وقبل أن يوسم بالعبقري سيجد العشرات يصفونه بالمجنون لتظل تلك الشعرة الدقيقة باقية بين المبدع الذي جن جنونه وبين المجنون الذي أخرج إبداعه للنور.
ديسمبر 4, 2022, 2:42 م
لا ماتقلقش هنوصل كلنا مستشفي المجانين
واصلا الشعره ما بين العبقريه والجون حلقناها
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.