أستاذتي، كيف حالكِ؟
كنتِ في الأمس بيننا، واليوم ها أنت قد ابتعدتِ في الشّهر الكريم، لا يطيب لنا ولكلّ كائن أن ننساكِ، ظللنا ندعو الإله أن تعودي إلينا، لكنّ بكاءنا كان رثاءكِ، ماذا عسانا أن نقول لكِ غير أنّنا سائرون على خطاكِ، يا ملاك، لم نكُن نعرف من تكونين حتّى فقدناكِ، لن تكفينا دموعنا ولا كلّ الآهاتِ.
أتعلمين حين وضعوكِ في اللّحد ماذا كان ينتظرنا في تلك اللّحظاتِ؟ لم تسعنا الدّنيا حولنا حين حثوا بالتّراب على محيّاكِ، ألا ليتنا كنّا نعلم ماذا يخفي لنا الدّهر من كسرات؛ لعشنا أيّامنا معكِ في كلّ السّاعاتِ.
ولكُنّا أوّل الجالسين في مقاعد الدّراسة، ولسمعناكِ وأنت تنادين أسماءنا وما مللنا من تلك الكلماتِ.
ولكن ماذا يفيد قولنا هذا وأنتِ لستِ هنا وتركناكِ، لا نملك غير دعواتٍ نسأل الله أن تصعد إلى السّماواتِ، ونلقاكِ هناك عند ربّ العرش وقد أظلّكِ بكلّ الكراماتِ.
يا إله السّماء، يا مجيب الدّعواتِ، اجعل لقاءنا بها يوم تبعث مخلوقات الأرض والسّماواتِ، وأظلّنا ومعلّمتي الّتي أرشدتنا إلى فعل الخيرات، وأن نحبّ وطننا ونجعله في قلوبنا وقت الأزماتِ.
كيف ننسى من ربّتنا على حسن الأخلاق، وأن نتبّع من أرسل ختاماً للرّسالاتِ.
معلّمتي مهما جار الزّمان علينا، ومهما ساق الدّهر علينا من الويلاتِ سيظلّ كلامكِ محفوراً في أعماق عقولنا.
لن يمحى في الظّلماتِ، فقرّي عيناً وأنتِ في ثرى أرض مولاكِ، فما سقيته لنا هو ما نمضي به في سيرنا حتّى نلقاكِ، حينما سألنا عنك من كانوا حولكِ قالوا كنتِ لهم خير الجاراتِ، وكنتِ تمسحين كلّ الدّمعاتِ، مثلكِ لا ينسى، بل يحفر اسمها على الجداراتِ.
أنتِ أجمل من عرفنا وتعلّمنا منها أن نكون للوطن دروعاً، وتعلّمنا نشر الخير؛ لأنّك من غرست فينا تلك الميزاتِ لذا ها نحن نخطو خطواتكِ، ونعاهدكِ ألّا نحيد عمّا وعدناكِ، وستظلّين في قلوبنا وإن كنتِ قد غادرتنا ولن نراكِ.
ليرحمكِ المولى، ولنكثر من الدّعواتِ بأن يجعلكِ الله في الفردوس الأعلى ويسكنك فسيح الجناتِ.
فراقك أدمى قلوبنا، ولم يكفِ ما سكبنا من دمعاتِ، لو كنّا نعلم ما جرى ما أغضبناك يوماً ولا أزعجناكِ.
لن ننسى ابتسامتك الّتي كنتِ تبدئين بها درسنا وتفتحين بها عقولنا النّيّراتِ.
أتعلمين معلّمتي، صحيحٌ أنّ كلماتنا لن تجدي بعد بُعدك عنّا كلّ هذه السّنوات، لكنّكِ لم تفارقي مخيّلتنا، والتحقنا بدراسة قسم اللّغاتِ.
وسنلحق بكِ ونحن نحمل أعلام النّور لأجيالٍ بعدنا نسطّر فيها اسمكِ لتُخلد ذكراكِ.
ماذا نقول فيكِ غير أن ندعو ربّ الأرض والسّماواتِ أن نلقاك في جنّة الخُلد مع الصّالحاتِ.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.