"نحن غالبًا لا نبحث عن الراحة، بل نحن نُجهِد أنفسَنا في استبقائها بين أيدينا، وفي هذا الاجتهاد الطويل نُفني أعمارَنا، صدورَها وزَهرتها وأعجازَها، نُفنيها مِن أجل راحة خالدةٍ لا وجودَ لها في هذه الدنيا".
"أطلَّتْ عليَّ قبل أن ترقد، وقالت: لا تدع هذا البابَ مفتوحًا قبل أن تنام كما تفعل عادةً؛ فإن اللصوص قد انتشروا كالجراد في هذه الأيام. فقلت لها: الغرفة -كما ترين- خاوية على عروشِها، يُجيب فيها الصوتَ الصدَىٰ، ومستقبلي مشوَّه الخِلقة، وأملي دونه القبرُ المُظلم. فأدارت ظهرَها، كعادتها كُلَّما قلتُ لها قولا ظاهرُهُ الشِعرُ وباطنه الحق، وغادرَتْني وهي تقول: لقد نبَّهتُكَ، وليس بمُستبعَـد أن يقتلوك فوق فراشك ليلًا. فابتسمتُ وأنشدتُ ساخرًا:
أبالمَوتِ الذي هو حَبُّ شيءٍ •• لقلبي -لا أباكِ!- تُـخوِّفيني؟!"
"يحلو لي أن أكذِّبَ ما أراه بعيني خوفًا من أن يُدرِكني اليأسُ الخانِق. إنني أسعى، والغيب مجهول، وظني أن الله لن يُضيع أجر سعيي. فاللهمَّ ارزقني الصبر على التعب، وعلى مقالة السفهاء ونظرات اللائمين والمُشفقين.. اللهم ارزقني حُسنَ التغابي، آمين!".
"كثيرُ الكُتُب وقليلُ المحفوظِ أفضىٰ بي إلى التيه، إلى البيداء الوَمِدة. أين البوصلة؟! بل أين الجهات! ما أكرَم الجهلَ في هذا العالَمِ البائس!".
"رأيتُ غِلاف رواية (الحزن العميق) لجان بول سارتر، فأقبلتُ عليها مسرعًا. لم أرغب في قراءتها، ولكنني أردتُ أن أعانقها فقط عِناقَ اللَّذَينِ جَمَعَتْهما الغربة".
"ما أنتَ؟! أنت شيء تافه، يتذكّر مواقفه المشرِّفة فيقف أمام المرآة كالطاوس مختالًا يبتسم ويُشرق وجهه فيُقهقه فيغمز بحاجبيه لطيفِ خياله العابرِ ويكاد يطير سرورًا، ثم يتذكر بعد قليل مواقفه المَشينة فيقف أمام المرآة بوجه متغضن وفم أبخر وأنف محتقِر، يبصق على المرآة ويتمنى الموت ويكاد يلعن كلَّ شيء في الكون. أنت ذكرياتٌ تجتمع تارة لتبهجك وترضيك، وتجتمع تارة لتجرحك وتؤذيك. وما زلتَ تدعي أنك لم تفهم!".
"تَخفَّفْ مِن الناس لتطفو، وتكثَّر منهم لترسب".
"ليس في الكون شيء مُخيفٌ. المُخيف هو ما تقبَّلته عقولنا وآمنَتْ به. الخوف أفكارٌ تنتابُنا، وفشلنا في تفنيد محتواها. فاسعَ، ولا تخشَ شيئًا. ما أجمل العيش حين تظنُّ أنه تعبٌ مستمرٌّ مُطلَق!".
"الناس مجموعة من العصابات المجنَّدة المُلتزمة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. فلا تمسَّ أيديولوجياتهم، لا تحرُّكها! الفتنة نائمة، لعن الله مَن أيقظَها!".
" أصبحتُ أقول: أنا هنا! كثيرًا جدًّا. أدركتُ بعد فوات الأوان أن الله وحده هو الذي يطلع على ما في القلوب، أما الناس فالجعجعة تجذب آذانهم الصمَّاء".
"الصمت والحياء سبيلان يسلكهما الموتى الأحياء، فانفث في رُوع الخلق جميعًا مَعرفتَك، سواء بالخير كانت أو بالشر!".
"أرى الوجهَ الخشنَ الدميم منهم يظهر عاريًا لغيري، وأصغي إلى فلتات اللسان بقلب مرعوب، فأحسُّ أنه لا يَمنع من إنشابِهم أنيابَهم في عنقي إلا حاجتهم أحيانًا إليَّ. ما أقبح السقوط! ما أقبح تغيُّر الأصدقاء! ما أحسَنَ غنايَ عن الناس!".
"لم يَبق منّي سوى لسانٍ بليغ ظريف وأخبار عجيبة أرويها مَجَّانًا للأصدقاء، حتى حلم الكتابة المُلِـحّ المُـؤرِّق ذَهَبَ مع الرياح العاصفة".
"لا تَرثِني يا صديقي، أنا لستُ أهلًا لرثائك، وليس رثاؤك بشيء ينفعني الآن. كلُّ ما أريده ألا تذكِّرَني بطموحي الجَموح في هذا الزمان القاسي".
"هي كانت مرتبطة بالواقع، تخطط وتنفّذ. حتى فشلها ليس سوى خسارة قريبة سرعان ما تزول آثارُها بعد النجاح التالي. أما أحلامك أنتَ التي وضعتَها فلقد كانت بلا جذور، وها أنتَ تنتظر المصادفة العجيبة لتتحقق وتنمو وتُورِق أزهارُها".
"لا تستعجبْ مِن خلوِّ يدي مِن كلِّ شيء، فإن كلَّ ما بنيتُهُ لم يَقُمْ على أساس. والأمانيُّ الموجودة على الورق بلا إسنادٍ أمانيُّ لا أصلَ لها في الواقع".
"عَجبتُ من قياس نفسي بحالات شاذة أفلتَتْ مِن سِهامِ صَيَّاديها المترصِّدين، مع أنني لا أقدر على المراوغة التي عملوها حتى يَـنالوا بُـغيتَهم، ولست أجد مَن يُسعفني وقت الإصابة. عليَّ أن أبقى مع القطعان، هُـم كُـثر، ولا شك أنَّ للخضوع الذي يعلو وجوههم حكمةً وسببًا أجهله، لذلك أعاديه".
"أيها القارئ، أنا أراك، وأعلم أنك تحاول أن تجد فيما أقوله شيئًا يُوافق تجربتك، لا تقلقْ! هذه الكلمات التي تقرؤها الآن ليس سوى دليل على أن روحك تقول: هل من مزيد؟ أما وجعي الخاصِّ فهو مجرد رمز".
"تزعجني زقزقة العصافير وصياح الديكة صباحًا، ونهيق الحمير وسِبابُ الجيران نهارًا، ونباح الكلاب وسَمَر المحششين ليلًا. تزعجني أصوات هذه الحارة المتكررة، ولا أرى فيها ما يُرغِّبُ في البقاء. ليتني أغزو الفضاء!".
"في الليل تأتيني جيوش الهموم جميعًا، وكانوا في النهار وقلوبهم شتَّىٰ، بل كانوا يُزيِّنون اللهو لي! آهِ، يا ليلُ، أنتَ منتهى سياحتي في الأرض، وأنتَ حيث تَثقَفني الهمومُ وتَحصُرني وتَـقعد لي كلَّ مَرصد!".
مايو 24, 2023, 6:08 م
رائعة بحق،حين تنصاع الكلمات فتضرب بها بقبضة من حديد .
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.