طبيب نفسيّ..
دائمًا ما كنتُ أعاني من نقصٍ حادٍ في المشاعِر، أو ربّما أنا من سعيت لأحظى بهذا الفتور، لا أعلم أكان ذلك اختياري أم إجباري أم نمطي، اقتناعي التّام بأن المشاعر لحظيّة هو من كان يردعني عن الغوص في بحرِ الحُب، أو ربّما الخوف ، الخوف من العذاب ، حين قال دوستويفسكي: "أتعلمين ياليزا أن الإنسان قد يعذّب الإنسان لمجرّد أنه يحبّه؟"
شعرت أن سؤاله هذا كان موجهًا لي، تكبّدت عناء البحث عن إجابةٍ ولم ألقَ، لدي الكثير من الأمور لأتعذّب من أجلها، لكن ليس الحُب، فاعتقادي نحوه إلهي، سماويّ، أوصانا الإله بالحُب، كيف يكون وسيلتنا لتعذيب الآخر، بغضّ النظر عن الأرض التي يقيم عليها سؤاله ذاك، فالحُب وُجد من أجل أن يزيل عن أثاث أفئدتنا غبرة الألم..
هناك غريب في الضفّة الأخرى من العالم، آتى إليه حبلى بالكثير من الدموع التي تنمو في مقلتي وتقتاتُ على قلبي، لم أستطع إجهاضها سابقًا، دائمًا ما كان حديثنا يتمحور حول حالتي، ثم إنه أمر مريح حقًا أن يكون الحديث كجلساتٍ بيننا، مثل طبيب نفسي ومريضة.
بعد جلسات عدَّة أو ربّما أفلامًا نشاهدها معًا، سألني ذات مرّة ، لمَ الحلوة حزينة ؟ الحلوة! يا للإثارة هذه الكلمة داخل المرأة!
مشهد قديم لا أستطيع نسيانه! فيقولُ لي لنحضر هذا المشهد معًا، ربما لهذا السبب أسميها أفلامًا تارة وتارة أخرى جلسات، شعرتُ أن بي لهفٌ لشيء ما، ربّما جوع قديم للحُب..
ربما عطشُ الغزل بات ظاهرًا على شفتيّ، وربّما هو شعور لحظي كما أعتقد، حسرة الحُب وخوف العذاب اجتمعا، بين المنطق واللامنطق، بين الإرادة واللا إرادة، بين الوفاء والخيانة، فقد عاهدتُ نفسي منذ زمن طويل ألا أقع في الحُب مرة أخرى، وسعيتُ جاهدة لأحصل على هذا القلب البارد، خطر لي سؤال، ما هو الجحيم؟ أو أي جحيم أعيش الآن!
ربّما كان دوستويفسكي محقًا هذه المرّة أيضًا، "ما هو الجحيم؟ أصر على أنها معاناة عدم القدرة على الحب".
سابقًا كنتُ أفتقد حديثه، ولكن حين شعرت أن اللهفة تسرَّبت إلى قلبي، تلاشى ذلك الشوق، قلت له سابقًا أنني أخشى الحُب، لا أستطيع.. كلَّما لوَّح لي الحُب من بعيد أجدني أهرب، أخاف، أرتعد، ثم إنني لستُ بارعة في منحِ الحب الشخصي، أي الدخول في أي علاقة، ولكنه كان يتقن مهنته تلك..
قال لي إنني موطن الحُب، ولكنّه سيجاريني بتصديقه قولي، الحُب كان يهزمني دائمًا بأصدقائي، ولكنني أؤمن أيضًا بذلك العجوز المثقّف: "الوقوع في الحب لا يعني الحب.. يمكن للمرء أن يقع في الحب ولا يزال يكره".
أجل، لا أزال أكره، اكتشفتُ مؤخرًا أنني لا أزال أعاني من نقصٍ حاد في المشاعِر وأنني لا أزال أودّ وأرغب بكل خلية في جسدي أن نبقى بهذا الفتور، كان شعور لحظي أو ربما أحببته فعلًا وربما لأنه يملكُ قبلة من السماء.
في جسده أحببته وربما لم أحبه، هذه معركتي الآن في أن أحدد هل أحببته أم لا، كل ما بي يقول لي أنني معتادة على المشاعر اللحظية لا يمكن أن يكون حبًا، وإلى الآن لا أزال مستمرة في هربي من ذئاب الحُب، لكنني انتصرت بهذا الطبيب أجل، صديقٌ لا يخون قد نعالجني سويًا، أو نهجرني سويًا.. رسالة دوستويفسكي لكم: على أرضنا لا نستطيع أن نحب إلّا مع الألمِ والعذاب.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.