كان العرب يعتقدون أن قدوم الضيف سعادة، فإذا أتاهم ضيف يستقبلونه بوجه طلق، ويبذلون كل ما في وسعهم لإكرامه وراحته، حتى يشعر أنه بين أهله في قبيلته.
صفحات التاريخ قد حفظت قصصًا رائعة، تحكي إكرامهم الضيوف أشد إكرام، وهنا نذكر واحدة منها، وهي:
ذات مرة، خرج عبيد الله بن عباس رضي الله عنه -وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم- في سفر طويل، وخادمه معه، انسلخ منه النهار، وجنح الظلام، وهو في الصحراء، فرأى خيمة، فأخذها ليبيت فيها، لقيت عيناه نارًا من بعيد، فذهب إليها، فوجد أعرابيًّا يعيش في خيمته مع زوجته وابنته الصغيرة.
فوصل إليه عبيد الله بن عباس وخادمه، ونزلا عليه ضيوفًا، فاستقبلهما الأعرابي استقبالًا حارًّا، وقال مبتسمًا: أهلًا وسهلًا ومرحبًا، يا ضيوفنا الكرام! بيتي بيتكم، ونحن خدامكم.
ولج الأعرابي خيمته، وأقبل على زوجته قائلًا: ماذا عندك لضيوفنا؟ قالت: ليس عندنا إلا هذه الشاة التي تعيش ابنتنا بشرب لبنها، فقال الأعرابي لا بد لنا أن نذبح هذه الشاة للضيوف، فقالت: أتذبح هذه الشاة؟ فماذا تأكل ابنتنا؟ إن ذبحتها ماتت جوعًا! فقال الأعرابي لزوجته: هل تحبين أن يبيت ضيوفنا جياعًا؟ سأذبحها مهما حدث.
ثم أخذ الأعرابي سكينًا وذبح الشاة وطبخها، وقدمها إلى عبيد الله وخادمه.
وكان عبيد الله يسمع حوار الأعرابي مع زوجته، فلما أراد الارتحال قال لخادمه: كم بقي عندك من المال؟ فقال: 500 دينار، فقال لخادمه: ادفعها إلى الأعرابي، فتعجب الخادم وقال: أتعطيه 500 دينار في شاة واحدة؟ إن ثمن الشاة لا يزيد على 5 دراهم.
فنظر عبيد الله إلى خادمه وهو غضبان، وقال له: أتظن أني أدفع إليه ثمن الشاة؟ والله إنه أسخى وأجود منا، إننا لا نعطيه إلا بعض ما نملكه، ولكنه جاد علينا بكل ما كان يملك.
ولما قدَّم الخادم كيس الدنانير إلى الأعرابي، تألم كثيرًا حتى تغير وجهه، وقال لعبيد الله: أتظن أني قريتك حرصًا على دنانيرك؟ كلا، إن ذلك والله لآمة ودناءة! نقري الضيف ثم نأخذ منه عوضًا!
ولما فطن عبيد الله أن الأعرابي لا يقبل منه شيئًا، رد عنه كيس الدنانير، وودعه قائلًا: جزاك الله خيرًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.