كل حدث في الحياة هو فرصة لننضج ونتعلم أصول العيش، فالحياة إن لم ندخل معتركها فلن نتغير، وسر الحياة هو التغيير، ولولاه ما كانت تلك الاستمرارية التي يتبعها التطور.
حقيقةً تصادفنا أحيانًا أمور حياتية تجعلنا نجزم أن التعلم ليس له حدود أو آفاق، تعلم يولد من رحم يومياتنا التي كنا نعتقد أن هذا ما نريده، أو بالأحرى من شدة الروتين الذي استسغناه فأُدخلنا في دائرة الاعتياد وهو العدو اللدود للإنسان.
إن هذا الأخير لن يدرك أنه فعلًا داخل هذه الدائرة حتى يطرأ جديد في حياته أو يمر بعبرة يستفيق منها، بعدها يدرك أنه كان في سبات كاد أن يحوله إلى شخص آخر. والأسوأ من ذلك أنه يبدأ بتسليم نفسه للأمر؛ طبعًا لأنه لا يبذل أي مجهود، والطبيعة لا تقبل بذلك؛ لأن لها قوانين علينا الانصياع لها، وأهم قانون هو التغيير الذي لا يتأتى هكذا؛ فهو له أدواته وأساليبه.
إن اللَّه تعالى يضع أمامنا مواقف وأشخاصًا نتعلم منهم ما كان ينقصنا، أو حتى الموجود لكن لم نكن نعطيه تلك الأولوية، فتبدأ الأشياء تأخذ أماكنها من جديد، فيصبح ما كان مُهِمًّا أكثر أهمية وما كان له الأولوية يتدحرج إلى مرتبة أدنى وهكذا دواليك، طبعًا دون المساس ببعض الأسس في حياة الفرد خصوصًا علاقته مع خالقه التي لا يمكن أن يدخلها في حساباته، كأن يدع نفسه لبعض الأمور التي تمس إيمانه أو حتى عقيدته، والله تعالى لم يعسِّر على عبده أي شيء يجعله يتقرب منه بل بالعكس فالإسلام دين تيسير وليس تعسير.
إن الملاحظ لأحكام ديننا الحنيف يرى أن متع الحياة جاءت على أشكالها المتعددة، فقط بضوابط يتبعها المؤمن فتصبح هي من تقوده إلى طريق الله، فسر ديننا الحقيقي هو أن يأخذ العبد من فرص الحياة الرغيدة ويستمتع بها، ويحمد الله عليها وهو راضٍ، حينها نرى أنه تعرف على سر الحياة وهو أن يكون مع الله في كل ما يقوم به، ليبارك له ويزيده تلك الشحنة الإيمانية والروحية لكي يستطيع أن يكمل مسار حياته.
إن علاقة العبد بربه تحمل من المكانة والقدسية ما تجعله يدرك أنه تحت كنف الحنَّان المنَّان، الرحمن الرحيم، وكل صفات الله تعالى الجميلة والرائعة؛ لأنه عبده الذي يتحبب إليه، ويبتليه أحيانًا حين يبتعد عنه قليلًا، فيقربه إليه مرة أخرى بمحبة وعطف وهكذا إلى أن يعود مرة أخرى إليه، فيجد ضالته ويستكين إلى خالقه، حينها يفرح الله به فيغدق عليه بعطاياه بغير حساب.
يا اللَّه كم هو جميل ذلك التحبُّب؛ فهو من الخالق عز وجل حين يريد أن يُخرج تلك الدرر والكنوز التي في أعماق عبده فيفرح بها، والحياة طبعًا مليئة بالأحداث والتغيرات التي يمر بها الإنسان لكي ينتقل إلى مستويات أخرى من حياته وهي من المسلمات، وإذا ترك العبد نفسه لهذا التغيير والحكمة الربانية ولم يقاوم فإنه حتمًا سيتعلم ويستفيد.
وبالرغم من أن بعض الدروس مؤلمة فلا بأس، فهذه هي الحياة طبعًا لن تقدم لنا ما نتعلمه مجانًا، فغالبًا الدروس المؤلمة هي من تعلق في الذاكرة ولن ننساها أبدًا، وبدورنا نعلمها لأبنائنا لأن دورة الحياة تتطلب ذلك.
والإنسان إن أدرك هذه المعادلة سوف يهدأ ويرضى لما يمر عليه من مقدمات الفرج، ففي النهاية نحن لا ندرك حكمة الله في بعض الأمور التي يمر بها عبده. فعليه أن يكون ممتنًّا لعطاياه، حتى بعض الدروس التي نراها قاسية نوعًا ما، هذه الأخيرة لن ندرك أهميتها في حياتنا إلا حين نتعلم وهي نقطة تُحسب لنا، فقد أدركنا درسًا ولم يفتنا، زيادة على أننا تعلمناه بكل أبجدياته وكما أراده الله أن يمرره لنا.
إن امتناننا أيضًا للأشخاص الذين في حياتنا؛ لأنهم سبب من أسباب تقدمنا وتطورنا، ولا نعلم حقًّا من أين يأتي التغيير الذي ينقلنا إلى مرحلة جديدة من حياتنا نحمل فيها عدة وعتادًا لمواجهة تحديات الحياة، فكل ما يمر بنا علينا ألا نعتقد أبدًا أننا نخرج منه خَالِيي الْوِفَاضِ بل نضيف أساليب جديدة أتقناها لنستعين بها في أيامنا القادمة، حينها لن نحتاج إلى أن نبحث عن السعادة طويلًا؛ لأن السعادة هي من ستبحث عنا.
هي سنة الحياة. فنحن خُلقنا في هذه البسيطة من أجل أن نتعلم من بعضنا بعضًا، والحياة مليئة بالتحديات، وعلينا أن ننظر لكل ما مرَّ في حياتنا ولا يزال بنظرة امتنان وتقدير؛ لأنه حتمًا تصيبنا منه عدوى الإيجابية من حيث لا ندري.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.