خاطرة "أحب الوحدة كثيرًا".. خواطر وجدانية

لا أدري ما السبب في كرهي للتجمعات، وكذلك الجلوس وسط الكثافة البشرية. قد يكون عيبًا أو ميزة، لكنني تعودت على هذا منذ الصغر.

ربما يكون هذا بسبب عوامل خارجة عن إرادتي، لكنني لا أدري ما هي بالضبط، لكن فيما يبدو أن وراء هذا عوامل من الطفولة، حيث إنني تربيت يتيمًا، وكان ينقصني من يحفزني على التعايش مع الآخرين.

ويمكن من هنا جاء حبي للعزلة والوحدة وبغضي للتجمعات، حيث أثرت التربية منذ مرحلة الطفولة، وترتَّبت عليها تراكمات كثيفة على رحلتي في الحياة؛ إذ كانت أمي تخشى عليَّ من الخروج بمفردي، وتحاول ألا أكون خارج البيت مدة طويلة.

وبذلك كانت تبث في داخلي روح النفور من الناس حتى لا أعتاد الغياب خارج البيت، وأتعرف على نوعية من البشر تبث سمومها في نفسي وتهدم كل ما حاولت أمي بناؤه في تكوين شخصيتي، التي كانت بين نارين: نار البقاء داخل الرعاية من أمي، إذ كنت الطفل الأخير في سلسلة العائلة وأحظى بقدر كبير من النصح المتواصل حتى لا أتمرد على التربية الحازمة التي كانت تتميز بها، حتى لا أشق عصا الطاعة.

ولكنني لا أجزم بأن هذه التربية كانت تحمل العيب أو الميزة على نحو مطلق، لكن من جانبي كنتُ أراها عيبًا فعلًا؛ لأنها جعلتني شخصًا خجولًا للغاية، بطريقة كانت لا تُطاق، حتى كنتُ أهرب من التفاعل مع العالم من حولي.

لكنني استفدت من الوحدة؛ لأن تمردي على الواقع كان إيجابيًّا؛ فالوحدة خلقت داخلي التفكير العميق والإبداع. في كثير من الأحيان، لم أعد أجد غضاضة في الوحدة، فقد وجدت في العزلة فرصة للاسترخاء الذهني واستكشاف الأفكار الجديدة بدرجة أكبر من أولئك الذين يفضلون الوجود المستمر في تجمعات أو بيئات اجتماعية مزدحمة. وأنا إلى ذلك نجحت في تعلم مهارات جديدة، وممارسة هوايات، واستكشاف مشاعري وأفكاري وجعلها ممتعة.

كما أنني لم أعد أضيق من الوحدة؛ لأنها تجعلني مستقلًا حتى في الشعور؛ لأن الوحدة جاءت على هوى نفسي التي تحب الاستقلال، وهي ليست في حاجة ملحة إلى الآخرين للإحساس بالاكتمال، لأن لديها القدرة على التكيُّف مع الواقع لامتلاكها المرونة الكافية في اتخاذ القرارات.

قد تكون الوحدة عند البعض إذا تحولت إلى عزلة اجتماعية مفرطة، فقد يؤثر ذلك على الصحة النفسية، لأن الإنسان بطبعه اجتماعي، ويتفاعل مع الآخرين.

يمكن القول إن الوحدة ليست بالضرورة ميزة أو عيبًا في ذاتها، لكن إذا كانت جزءًا من التكوين الشخصي للفرد فيمكنه ألا يشعر بالملل، لأن الابتعاد عن الازدحام البشري ضروري. المهم هنا العثور على التوازن المناسب للإنسان.

المهم أن يكون الإنسان متصالحًا مع نفسه، يشعر بأنه بعيد عن المنغصات التي تقتحم حياته، وهو يشعر بالسلام الداخلي، وقادرًا على التفاعل مع العالم بالطريقة التي تشعره بالراحة وتناسب شخصيته.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة