أبي.. الكل ينعتني بصفاته وكأن من روحه قد حلت بوجداني
يا صاحب القلب الكبير والبدن الهزيل الذي عانى ولا يزال يُعاني
أفنيت في تنشئتي من صلب عودك ومن بحر جودك وما أفناني
ربي أسألك بالرحمات أن تغشى بها عبدًا هو والدي الذي ربَّاني
أمسكتُ بقلمي وأرعيته ذهني حتى كتب هذه الأبيات في التو واللحظة، دون تحضير أو تهيئة حال أو تصفية ذهن، هكذا خرجت هذه الكلمات من وحي اللحظة، كيف لا وقد علم قلمي أنني أوليته مهمة التعبير عما يختلج بقلبي تجاه أبي الذي وهب لقلبي الحياة من الأساس، ووهب لروحي سر الحياة، ووهب لعقلي النضج والتفكير، ووهب لي كلي كله.
هذا عيد الأم، فأين عيد الأب؟
لا أدري لماذا يحضرني هنا قول أم كلثوم في إحدى قصائدها: إنني أعطيتُ ما استبقيتُ شيئًا.. فهكذا هي طبيعة الحال مع الآباء تجاه الأبناء، لا يدخرون وسعًا ولا يبخلون بعطيةٍ ولا يضنون على أبنائهم بشيء.
ومخطئ من يرى مكانة الأم ولا يعلم مكانة الأب، ففي الوقت الذي تتبارى فيه الأمهات (ولهن كل الحق في ذلك طبعًا) بحديث رسولنا الكريم حين جاءه أحد الصحابة يسأله: يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك؟ قال: ثم من؟ قال أبوك.. أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا ونرى الرسول الكريم في موضع آخر يحثنا على البر بآبائنا وفرض الانصياع لهم بقوله: "أنت ومالك لأبيك"، هذا طبعًا بغير إسراف أو تعنت واحتكار وعن طيب نفس من الابن، كما قال أهل العلم وأصحاب التفاسير.
ابن يصفع والده على وجهه أمام الناس
ومن المآثر والحكايات ما نتخذ منه العبرة والعظة والدروس التي ترسخ وتؤكد مكانة ومنزلة الأب، وتحث على ما قاله أسلافنا القدامى رضا الرب من رضا الأب، ومنها ما رواه لي أحد أصدقائي إذ رأى بأم عينه منظرًا من تلك المناظر التي يندى لها الجبين، ويقطر لها القلب حزنًا وكمدًا.
حين كان خارجًا يومًا من المسجد وبعد انتهاء صلاة الجمعة، ووسط زحمة الشارع، إذ سمع الناس صوت صفعة مدوية استدار لها الناس وقد خيم عليهم الصمت المفاجئ بعد جلبة وهرج، فإذا بشاب قد هوى بكفه على وجه والده المسن بلا رحمة ولا شفقة، والأب قد وهن جسده وضعفت بنيته وارتعش عوده في وقفته ولا حول له ولا قوة تلقى منه هذه الصفعة المخزية.
أبي الحكمة
عندما كنت صغيرًا، كثيرًا ما كان يخبرني أبي حين أجادله عن جهل وقصور تفكيرٍ: غدًا سوف تعلم يا ولدي!!
واليوم وقد دارت الأيام والليالي وأتى الغد، وصرت أبًا وعلمت، علمت أن أقصر طريق إلى الجنة هو توحيد الله وإرضاء الوالدين، فلك مني يا أبي كل تقدير وعرفان، طالبًا ألّا يكون لك مني إلا كل عفو وغفران، ولأمي أيضًا كل تقدير واحترام وعرفان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.