خاطرة "أبواب الموت والجنون".. خواطر وجدانية

حذرتني معالجتي النفسية من أمرٍ يقود إلى الموت، لكنه بدا لي تحذيرًا تقليديًّا، كأنها تضيف كلمة "موت" للتأكيد على خطورته، مع أنه لم يكن شيئًا معروفًا كالتدخين أو الإهمال بالصحة، بل الفكرة والشعور.

لم أكن مقتنعًا تمامًا بأن الفكرة وحدها قد تقود إلى الموت، مع أني كثيرًا ما سمعت عن أشخاصٍ قتلهم الظلم، أو القهر، أو الحسرة، أو حتى الندم. ولكن، مع الوقت، أدركت أنها لم تكن تقصد موت الجسد، بل موت النفس.

أن تموت وأنت حي، أن تعيش بلا روح، بلا شغف، بلا رغبة، أن تتحول إلى جسدٍ خاوٍ، لا يشعر ولا يتفاعل.

كم من حولنا يعيشون بهذا الموت النفسي؟ أناسٌ استسلموا للظلم، فقدوا أحلامهم، وأصبحوا أسرى البقاء لا أكثر، هؤلاء الأحياء الأموات الذين أصبحوا عاجزين عن الاستمتاع بالحياة، وأمْسوا مجرد أجسادٍ تتنفس ولكن بلا حياة.

الموت النفسي هو أن تفقد ذاتك تدريجيًّا، أن تحيا حياة بلا معنى، أن تستسلم للمخاوف والضغوط، أن تفقد الرغبة حتى في السعي أو الفرح أو الاستكشاف.

كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ هذا ما حذرتني منه معالجتي، بفتح أبواب الجنون والموت بلا وعي.

نحن من خسروا أنفسهم ببطء، ربما لأننا قررنا أن نصمت، أن نرضى، ألا نبحث عن دواخلنا.

نحن الذين ظننا أن الراحة في الصمت والاستسلام، وأن السعي خلف الطموحات والاحتياجات هو مصدر قلق فقط. تخلينا عن رغباتنا وأحلامنا، واستبدلناها بواقعٍ مُمل، صنعنا من أحزاننا جزءًا من يومنا، وألفنا الألم حتى صار جزءًا من هويتنا.

لكن كيف نغلق أبواب الموت النفسي والجنون بفقد الوعي بما نفعل أو ما يقودنا إليه؟

تحذير المعالجة لم يكن مجرد كلمات، بل كان دعوةً للاستيقاظ.

قالت لي: "أغلق أبواب الموت والجنون، تواصل مع ذاتك بصدق، أحببها كما تستحق، تقبلها كما هي، وعبِّر عنها دون خوف".

التواصل مع الذات هو أول خطوة، هو أن نسمع أصوات أنفسنا التي هربنا منها سنوات، وأن نسمح لأنفسنا أن نشعر، أن نعبر عن مشاعرنا بصراحة ووضوح، دون خوف من الحكم أو الرفض، وأن نقبل الحقيقة ونتصالح مع الواقع، أن نتقبل أنفسنا بجميع جوانبها، حتى تلك التي لا نحبها، لأن إنكار ذواتنا ورفضها لا يؤدي إلا إلى مزيد من الانفصال الداخلي، فنفقد إدراك الحقيقة الداخلية ونفقد الرغبة والشغف.

ويجب أن نعيد اكتشاف ما يثير شغفنا مرة أخرى بالتواصل الحقيقي مع أنفسنا وتقبل رغباتنا مهما كانت بسيطة.

أحيانًا قد تكون هواية قديمة، أو هدفًا طالما رغبنا بتحقيقه فهو شغف، المهم هو أن نجد تلك الشرارة التي تعيد الروح إلى حياتنا، وأن نعبر عن أنفسنا بصدق، أن نتحدث عن مشاعرنا ورغباتنا وأفكارنا، وأن لا نُخفيها تحت طبقاتٍ من التردد أو الخجل.

التعبير الصادق هو أساس التوازن النفسي، ومن دونه نتجه تدريجيًّا نحو حالة التجمد، ثم الموت أحياء، وهذا كان تحذير معالجتي.

التحذير كان مفتاح النجاة، دعوةً لكي نخرج من دائرة الموت النفسي، ونغلق أبواب الجنون، لندرك بوعي ما نتجه إليه، وأن نختار الحياة بكل تفاصيلها، أن نعيش بعمق، أن نحب أنفسنا كما تستحق.

لم تكن كلمات المعالجة مجرد تحذير، بل كانت دعوةً للاستيقاظ، لأكون صادقًا مع ذاتي، وأعيش حياةً حقيقية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

عودا حميدا يا صديقى المنصة كان
ينقصها الكثير بدونك ❤🌹
لقد زادت كلماتك اشراقا
وضياء في رحلة البحث عن
الذات لطالما افتقدنا أنفسنا
فى زحام الحياة
صح قلمك وعظيمة هى كلماتك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة