عزيزي والدي ووالدتي، أرغب في أن أقول لكما الحب وحده ليس كافيًا، أعلم أن معظمنا أتى إلى هذا العالم مدفوعًا برغبة والديه بالحصول على طفل، وبالتأكيد سيفعل الوالدان ما يستطيعان كي يعيش أطفالهما عيشة هنية.كل هذه الأفكار والأمنيات والأفعال والأقوال الصادرة عنهما مدفوعة بكامل الحب، ولا نزال حتى هذه الساعة نعتقد أن الحب سينقذ كل شيء، وسيكون كل شيء على يرام، وسنكون سعداء بفضل الحب.
لكن يا أمي ويا أبي، يدا الحب قصيرتان، لا تستطيعا تغطيتي من كل شرور الحياة، لقد أعطيتماني كامل الرعاية والاهتمام اللذين أحتاج إليهما كابنكما، لكن نسيتما أن تعلماني كيف ألعب وفق قوانين الحياة، فإذا غادرتُ العش للمرة الأولى لا أنزلق في عالم بشع يختلف عن عالمي معكما، فأعود مسرعًا لحضن الحب، حضن الحب الذي يفترض أن يكون نصف الطريق ونصف المشوار وليس كله.
أردتك يا أمي أن تعلميني أن هناك آلامًا سأخوضها بمفردي، ولن ينقذني حبك الصادق منها، أردتك في أول يوم للمدرسة أن تخبريني أن الطريق سيكون صعبًا، وأن في الكون ما يكفي من الشر لجعلي أسقط على ركبتيَّ، وأن عليَّ دائمًا أن أقاتل كي أنجو، وأن أستعد للأوجاع وآلام الحياة من أصغرها حتى أكبرها كيلا أفقد ابتسامتي بسرعة.
لا أريد يا ماما محاولتك المستمرة في جعلي سعيدًا رغم آلامي وكسوري فقط، بل أريدك أن تعلميني درسًا أعرف فيه كيف أنجو وسط المعركة.
من بداية المعركة، من غيرتي من أخي الأصغر التي ستكون أول أزماتي، ثم المدرسة، سأتعرض للتنمر وأحكام الكبار وقوانينهم وتقييمهم لي بالدرجات وأنصاف الدرجات، من شعوري بالإحباط من إعراض الفتاة الشقراء ذات الفستان الجميل عن الحديث معي، من توبيخ المدرس لي دون معرفتي السبب الحقيقي وراء ذلك، من الألم النفسي الذي سيأتي مع عبارة (أنت لست كافيًا) التي قد أرددها لنفسي مرارًا وتكرارًا عندما تقرر الحياة أن تقذفني بمزيد من التحديات، من صراعي النفسي بين مبادئي ورغباتي الذي قد يستنزف عمري بأكمله.
صحن الحلوى الذي كنت تضعينه أمامي كان يخفف عني وطأة أحزاني، لأنني أعرف أنه من إنسان أحبني بصدق، لكنك ليتك يا أمي أضفت مع كل هذا الحب والاهتمام شيئًا مثل: تجهز للمعركة، ستخاف كثيرًا، وستتألم كثيرًا، وسيكسر قلبك عدد من الناس، وسيجرحك أقرب الأصدقاء، وسيطعنك الأقارب، وأحوالك ستتغير ما بين السعة والضيق، فاستعد وتجهز جيدًا، وقد تقلب بك موازين الحياة ما بين الأمان والفوضى، فقد تجد نفسك في حرب أو معركة، قد تغادر أو تبقى، وستضطر طوال حياتك لاتخاذ قرارات أنت نفسك لن تكون واثقًا من نتائجها.
عزيزيّ، عندما انفصلت عن زوجتي لم أرد سماع «ربنا ينتقم منها، سأزوجك الأفضل، الأولاد سيربون عندي» رغم أنها ستخفف من وجعي بلا شك.
لكن وددت يومًا لو أنكما أخبرتماني أن العلاقات تجرح، وأن الحب قد يختفي، وأن الإنسان سينفطر قلبه من الحب طوال حياته بدءًا من أول فتاة في الحضانة وصولًا للشريكة التي قد تفارق حياة قلبك، وأن عددًا من البشر ينفصلون، فلم أسقط محدقًا في الفراغ أيامًا؟
تَوقُّع الألم في كل زاوية من الحياة يجعلنا أقوى، وهذا ما كان يجب أن يكون مقرونًا بالحب طوال سنين نشأتنا.
لا أريدك يا ماما أن تعانقيني بعد حدوث الكارثة، بل أخبريني قبل كل موقف: هذا الطريق لك، ستتألم وتسقط مرات ومرات، قد يصل حبي إليك فأحميك به أو أعينك فتنهض وتنجو، وقد لا يصل لك فتعاني وحدك، لكن لا يكفي لنا أن ننجو، بل نريد أن نكون سعداء، فتوقع الألم في كل طريق واستعد له بعقل واعٍ وقلب شجاع.
واعلم أنك ذات يوم قد تختار أن تقذف بفلذة كبدك نحو هذه الحياة بكل ما فيها من فوضى وألم وحب وجمال وعذاب، وأنك مهما بلغت عظيم الحب لهم فسيكون لهم آلامهم الخاصة نصيبًا في الحياة، فالحب وحده ليس كافيًا، فجهز نفسك وجهزهم.
يونيو 4, 2023, 6:14 م
كلامك سليم جدً الأم تتمنى أن يعيش اولادها دائما في سعادة تخاف عليهم من الدنيا تخشى أن تخبرهم بقسوة الحياة ولكن للأسف الكل يكبر ويصطدم بمتاعب الدنيا تحياتي لكي اسفه للاطالة
يونيو 4, 2023, 6:27 م
شكراً لتعليقك اللطيف
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.