في قلب غابات الكونغو المطيرة، يعيش كائن ثديي فريد من نوعه، غامض وكأنه خرج من صفحات الأساطير، يثير الدهشة بجمعه الحمار الوحشي وعنق زرافة وفراء مخملي فريد، إنه الأكاب أو الأوكابي (Okapi). هذا الحيوان العجيب الذي يُعد الوحيد الباقي الحي من أقارب الزرافة، يمتلك خصائص بيولوجية وسلوكية مميزة تجعله لغزًا حيًا وكنزًا بيولوجيًّا يكشف عن أسرار التطور ويستحق التعرف عليه في معركته صامتة من أجل البقاء.
في السطور التالية، ستتعرف أكثر على حيوان الأكاب الخجول، من سماته الجسدية ونظامه الغذائي إلى سلوكه وتحديات بقائه في البرية.
للوهلة الأولى قد تظنه زرافة صغيرة أو حمارًا وحشيًا غريب الشكل، لكنه في الحقيقة حيوان الأكاب أو الأوكابي، المعروف بلقب (زرافة الغابة)، ويعيش الأكاب في قلب إفريقيا الوسطى، وهو من أقرباء الزرافة على الرغم من مظهره الفريد.
حيوان الأوكابي لغز من قلب الكونغو
هو حيوان ثديي يجمع في شكله بين الحمار الوحشي والغزال، ويتميز بفراء كثيف وملمس زيتي يساعده على البقاء جافًا تحت المطر، وعلى الرغم من ارتباطه بالزرافة فإن له رقبة أقصر وأرجلًا أقصر.
يبلغ طول حيوان الأوكابي نحو 8 أقدام (2.4 متر)، ويراوح وزنه بين 450 - 550 رطلًا (202 - 248 كجم)، أما الإناث فهي أكبر حجمًا من الذكور.
يغطي مؤخرته عدد من الخطوط البنية والبيضاء، كما يمتلك غددًا عطرية أسفل حوافره تساعده في تحديد منطقته الخاصة، وجميع قرون الذكر مغطاة بالجلد باستثناء الأطراف، في حين تظهر لدى الأنثى نتوءات ظاهرة.
موطن الأكاب الأصلي هو غابة إيتوري المطيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو الحيوان الوحيد الباقي على قيد الحياة من أقارب الزرافة.
النظام الغذائي للأوكابي
لا يمكن العثور على الأكاب في البرية إلا وسط النباتات الكثيفة في الغابات المطيرة، أما عن نظامه الغذائي فهو يشبه البقرة والزرافة، إذ يمتلك 4 حجرات في معدته تساعده على هضم النباتات القاسية، ويعتمد نظامه الغذائي النباتي على الفواكه والأوراق والأغصان والبراعم وغيرها من النباتات.
وكأقاربه من الزراف، يتميز الأكاب بلسان طويل يساعده في انتزاع الأوراق من الأغصان، ثم إنه في بعض الأحيان يتناول فضلات الخفافيش للحصول على العناصر الغذائية.
سلوك حيوان الأوكابي
ينشط حيوان الأوكاب خلال النهار، فهو يفضل العيش منفردًا، ويستخدم حوافره لترك علامات لزجة تشير إلى حدود منطقته، في حين ترش الذكور أحيانًا البول لتحديد نطاق نفوذها، وعلى الرغم من ميوله للانفراد قد يلاحظ تجمعه في مجموعات صغيرة خلال أوقات تناول الطعام أو الاستحمام أو اللعب.
تكاثر حيوان الأوكابي
عادة ما تلد أنثى الأوكابي صغيرًا واحدًا في كل حمل الذي يستمر بين 14 و16 شهرًا، وبعد ولادته مباشرة يستطيع الصغير أن يمشي في غضون 30 دقيقة، ولكن لا يستطيع التبرز إلا بعد مرور شهر في الأقل؛ لأن هذه الطريقة تساعد في منع جذب رائحة البراز للحيوانات المفترسة.
بينما تميل الأوكابي البالغة إلى الصمت في غالب الأوقات إلا عندما تكون مستعدة للتكاثر، أما الصغار فتصدر أصواتًا مثل الثغاء والسعال والصفير عندما تغيب أمهاتها.
تتواصل الأمهات مع صغارها بواسطة أصوات تحت صوتية لا يستطيع الإنسان سماعها، وهي طريقة فعالة للتواصل دون جذب انتباه الحيوانات المفترسة.
وتظهر إناث الأوكابي حماية كبيرة لصغارها، فهي تضرب الأرض بحوافرها للدفاع عنها، ومع بلوغ الصغير 6 أشهر يصبح عليه الاعتماد على نفسه في الحياة.
هل يواجه الأوكابي خطر الانقراض؟
يعد حيوان الأكاب من الكائنات المهددة بالانقراض وفقًا للقائمة الحمراء للأنواع المهددة الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، وعلى الرغم من غياب تقديرات دقيقة لعدد الأوكابي المتبقي في البرية، يعتقد العلماء أن أعداده قد انخفضت بنسبة تصل إلى النصف خلال العقدين الأخيرين.
أبرز تهديدات حيوان الأوكابي
- الصيد البشري: مع تراجع أعداده يواجه الأكاب تهديدات متعددة في بيئته الطبيعية، فعلى الرغم من أن النمر هو المفترس الطبيعي الرئيس له، فإن الخطر الأكبر يتمثل في أنشطة الصيد البشري، ويُصطاد الأوكابي من أجل لحومه وجلوده، وقد أدت عمليات الصيد باستخدام أفخاخ الكابلات إلى انخفاض حاد في أعداده، لا سيما في المناطق التي تنتشر فيها هذه الأساليب القاسية.
- فقدان الموائل: يؤدي إزالة الغابات والتعدين غير القانوني والنزاعات المسلحة في المنطقة إلى تدمير الموائل الطبيعية للأكاب.
ونظرًا للطبيعة الخجولة للأوكابي وعزلته داخل الغابات الكثيفة يصعب على العلماء تحديد متوسط عمره الحقيقي في البرية، فإنه تحت الرعاية البشرية، سواء في حدائق الحيوان أو المحميات، ويمكن للأكاب أن يعيش ما بين 15 و20 عامًا ما يمنح الأمل في الحفاظ على هذا الكائن الفريد بفضل برامج الحماية.
يُعد حيوان الأوكاب جوهرة الكونغو الخفية ورمزًا فريدًا للتنوع البيولوجي، ورغم سحره وخصائصه المميزة، فإنه يواجه الأكاب تهديدات بالانقراض تتطلب تدخلًا عاجلًا، إن فهمنا لهذا الحيوان وسلوكه ودوره في نظامه البيئي يُعزز من أهمية جهود الحفاظ عليه. بدعم برامج الحماية ومكافحة الصيد غير المشروع وحماية موائله الطبيعية، يمكننا أن نضمن بقاء هذا الكائن الفريد للأجيال القادمة. فهل نؤدي دورنا لحماية الأوكابي والحفاظ على هذا الجزء الثمين من التراث الطبيعي العالمي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.