في عالمنا المذهل، تتوارى عن أنظارنا كنوز من المخلوقات الحية التي تتحدى تصوراتنا عن التنوع البيولوجي، حيوانات فريدة بتكوينها وسلوكها، تعيش في عوالم نائية أو تواجه خطر الانقراض الصامت. إذا كنت تظن أنك رأيت كل شيء في عالم الحيوان، فإن هذا المقال سيفتح عينيك على عجائب لم تخطر ببالك، مخلوقات تتجاوز حدود الخيال العلمي بجمالها وغرابتها. نأخذك في جولة استثنائية لاستكشاف بعض أندر وأغرب الحيوانات التي تشاركنا كوكب الأرض، من أعماق المحيطات المظلمة إلى غابات الأمازون المطيرة، لتتعرف على تكيفاتها المدهشة وأساليب حياتها الفريدة، استعد للانبهار بعظمة الخالق وقدرته التي تتجلى في كل كائن حي، ولتقدير هذا التنوع البديع الذي يستحق منا كل الاحترام والحماية.
طائر الهواتزين.. بقرة طائرة برائحة كريهة
طائر هواتزين (Opisthocomus hoazin) هو طائر استوائي يعيش على طول الأنهار والبحيرات في حوض الأمازون في أمريكا الجنوبية، وهو المكان الوحيد الذي يوجد فيه، لأنه لا يمكن رؤيته في حدائق الحيوانات حتى، ويبلغ وزن هذا الطائر نحو كيلوغرام واحد، وهو وزن ثقيل بالنسبة للطيور، كما يصل طوله إلى ما بين 60 و65 سنتيمترًا، ويتميز بريش بني مخطط من الأعلى وأصفر من الأسفل ووجه أزرق وعيون حمراء زاهية، ما يجعله أغرب حيوانات العالم، وذلك نظرًا لمظهره الغريب الذي يشبه الديناصورات.
وعلى الرغم من كون طائر هواتزين من سلالة الطيور؛ فإنه يملك جهازًا هضميًّا يشبه الثدييات، فيهضم طائر هواتزين طعامه بواسطة التخمير البكتيري، مثل الأبقار والماعز والأغنام، حتى إن بعض الباحثين يعدون طائر هواتزين وكأنه نوع من أنواع الأبقار الطائرة، ويعتمد نظامه الغذائي اعتمادًا شبه كامل على النباتات والأوراق، ثم إن له رائحة كريهة لا يستطيع البشر تحملها، وليس هذا فقط بل إن طعم لحمه غير مستستاغ أيضًا، ما يحميه من التعرض إلى الصيد الجائر كباقي الطيور، وعمر هذا الطائر 64 مليون سنة، ولا يوجد له أقارب غير منقرضة.
البلوبفيش أقبح حيوان في العالم يطفو بلا عظام في الأعماق
تعرف البلوبفيش (Psychrolutes marcidus) أيضًا بسمكة الفقاعة وهي سمكة جيلاتينية منتفخة لا يحتوي جسمها على هيكل عظمي كامل، ولا عضلات، ولا قشور، بل يتكون جسمها من أنسجة منتفخة ذات كثافة أقل من كثافة الماء، ما يسمح لها بالطفو فوق قاع البحر، كما أن جسمها أيضا لا يحتوي على مثانة هوائية، ولكن لديها بدلًا منها كيس مملوء بالغاز يساعدها في التحكم في طفوها.
إضافة إلى احتواء جسم البلوبفيش على نسبة عالية من الماء والدهون ما يساعدها على تحمل الضغط العالي، فتعيش البلوفيش بين 600 و1200 متر عمق قرب سواحل نيوزيلندا وأستراليا، وفي أعماق المحيط الأطلسي والمحيط الهندي والمحيط الهادئ، ما يجعلها معرضة لضغط شديد، ولكن تركيبتها الفسيولوجية المذهلة تساعدها على تحمل هذا الضغط.
وقد أطلق على البلوبفيش لقب أقبح حيوان في العالم بسبب أنفه الغريب، فهو له أنف كبير لين ويشبه سمك الماكريل المتضخم، وتتميز هذه السمكة بنظام غذائي متنوع، لأنها تعيش في بيئة نادرة الطعام، لذلك تختبئ البلوبفيش في قاع المحيط وتأكل أي شيء يمر بها مثل القشريات، والأسماك الصغيرة، ونجم البحر، وشقائق النعمان، وبقايا الحيوانات والأسماك الميتة، ولكن على الرغم من ذلك فإن البلوبفيش مهددة بالانقراض بسبب الصيد بالشباك وارتفاع درجة الحرارة.
الكوكا «المبتسم السعيد» ودود ولكنه مهدد بالانقراض
الكوكا (Setonix brachyurus) هو حيوان من الثدييات ينحدر من فصيلة الكنغر والوالابي (Macropodidae)، وهو بحجم القطط الصغيرة تقريبًا، فيصل وزنه إلى 5 كيلوجرامات، ويتراوح طوله بين 16 و21 بوصة، واكتشف المستكشف الهولندي "ويليم دي فلامينغ" حيوان الكوكا أول مرة في عام 1696 بواسطة، وتحديدا في جزيرة بالقرب من نهر سوان، وعندما رأى الكوكا أول مرة ظن أنه نوع من الفئران بحجم القطط؛ لذلك أطلق على هذه الجزيرة اسم «جزيرة روتنست» أي عش الفئران، وتعرف الجزيرة بهذا الاسم حتى الآن.
ويتميز حيوان الكوكا بفمه الذي يبدو مبتسمًا دائمًا؛ لذلك يعرف أيضا باسم «المبتسم» (The short-tailed scrub wallaby)، كما يطلق عليه أيضًا أسعد حيوان في العالم بسبب ابتسامته الدائمة، وإضافة إلى ذلك، يعد أيضًا حيوان الكوكا أطيب حيوان في العالم، وذلك لأنه ودود جدا فيقترب من الثعابين والثعالب ليلعب معهم ولكن يأكلوه في النهاية، وبسبب ذلك أصبح مهددًا بالانقراض.
إضافة إلى ذلك، يمتلك حيوان الكوكا أيضًا آذانًا مستديرة وذيلًا قصيرًا خاليًّا من الشعر تقريبًا، أما باقي جسمه فهو مغطى بفراء قصير وكثيف وخشن جدًّا، ويتراوح لونه ما بين الرمادي والبني، والكوكا هو حيوان ليلي يقضي النهار نائمًا ويستيقظ في الليل، وهو من الحيوانات الآكلة للعشب والنباتات، ولأنه ينحدر من فصيلة الكنغر، فهو يقضي الأشهر الخمسة الأولى من حياته في جراب أمه، ويتنقل عن طريق القفز مثل الأرنب.
سمكة الخفاش ذات الشفاه الحمراء
يعود سبب تسمية سمكة الخفاش ذات الشفاه الحمراء (Ogcocephalus darwini) بهذا الاسم نظرًا؛ لأن شكلها أقرب إلى الخفاش من الأسماك، وتعيش هذه السمكة على أعماق تصل إلى 75 مترًا في المياه المحيطة بجزر غالاباغوس، ويتراوح متوسط عمرها بين 9 و12 عامًا، وما يجعلها من أغرب الأسماك في العالم ليس مظهرها الغريب فقط، ولكن لأن هذه السمكة لا تستطيع السباحة، بل تمشي في قاع المحيط بطريقة تشبه الضفادع باستخدام زعانفها، وتعد الشفاه الحمراء الزاهية هي أهم ما يميز شكلها، فتساعدها على جذب الذكور للتكاثر.
وتمتلك الأسماك البالغة منها أشواكا لتحميها من الأعداء، إضافة إلى امتلاكها زائدة لحمية في أعلى رأسها تسمى "إيليسيوم" تخرج طعمًا لامعًا يطلق مواد كيميائية بمجرد اقترابها من فريستها، ويساعدها هذا في جذب عدد من الكائنات البحرية الصغيرة التي تتغذى عليها مثل الأسماك الصغيرة والسرطانات والرخويات والروبيان، ويتراوح طول هذه السمكة بين 25 و40 سم، ووزنها بين 0.3 و0.4 كيلوغرام.
الأكاب.. «زرافة الحمار الوحشي» المستوطنة في غابات الكونغو
ما يميز حيوان الأكاب (Okapia johnstoni) هو شكله الغريب الذي يعد مزيجًا من حيوانات عدة، فعلى الرغم من أنه ينحدر من عائلة الزراف (Giraffidae)؛ فإن شكله يبدو وكأنه مزيجًا من شكل الغزال والحمار الوحشي معًا، ثم إن رقبته أقصر بكثير من رقبة الزرافة، لأن لونه يكون ما بين البني الغامق والزيتي.
أما أرجله وأفخاذه فتكون مخططة بالأبيض والأسود مثل الحمار الوحشي، ويتكون نظامه الغذائي من النباتات، فيتغذى على الفواكه والبراعم والأوراق والأغصان وغيرها من النباتات.
ويبلغ طول ذكر الأكاب نحو 1.5 متر، ويتراوح وزنه بين 200 و300 كيلوغرام، أما الإناث منه فتكون أطول قليلا ويزيد وزنها على الذكور بمقدار 25 إلى 50 كيلوغرامًا، ثم إن الذكور من حيوان الأكاب تمتلك قرونًا على عكس معظم الإناث التي تمتلك نتوءات بارزة مكانها، وموطنه الوحيد هو الغابات المطيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيوجد فيها أقل من 4500 فرد من حيوان الأكاب؛ لذلك يعد حيوان الأكاب مهددًا بالانقراض وفقًا للقائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN).
دبور الديمنتور المفترس القاسي الذي يشل فريسته حية
يعد اسم هذا الدبور (Ampulex dementor) مقتبسًا من سلسلة هاري بوتر الشهيرة، ويعود سبب تسميته بهذا الاسم إلى طريقته القاسية في افتراس الصراصير، فيقوم بحقن السم في رؤوسها، ولكن هذا السم لا يؤدي إلى موتها بل يؤثر في قوتها ويشل حركتها فقط، فيتناول فريسته وهي حية، والموطن الأصلي لدبور الديمنتور هو تايلاند.
واكتشف الباحثون دبور الديمنتور أول مرة في منطقة ميكونغ الكبرى (كمبوديا ولاوس وميانمار وتايلاند وفيتنام) حيث تعيش على طول نهر ميكونغ، وهي واحدة من أكثر المواطن تهديدًا في العالم، ويعيش دبور الديمنتور سنة واحدة، أما حجمه فيبلغ طوله 0.43 بوصة أي 1.09 سنتيمتر، ووزنه يصل إلى 1.2 جرام.
دودة البوبيت.. وحش المحيط المختبئ في الرمال
دودة البوبيت (Eunice aphroditois) هي دودة تابعة لرتبة الديدان متعددة الأشعار، واكتشفت أول مرة في النرويج في القرن الثامن عشر، وتتميز هذه الدودة بطولها الذي يمكن أن يصل إلى ثلاثة أمتار، ولكن على الرغم من ذلك فإنها تكون نحيفة جدًا، فلا يتجاوز عرضها سنتيمتر أو اثنين، ويتراوح متوسط عمرها ما بين 3 و5 سنوات، وما يميز مظهر هذه الدودة أيضًا هو الشعر الخشن الذي يغطيها، فتعمل هذه الشعيرات كآلاف المراسي الصغيرة في الرمال فتساعدها على الاختباء في جحورها وجعل خروجها من هذه الجحور شبه مستحيل.
ويطلق العلماء على دودة البوبيت لقب (وحش المحيط) (The Bobbit worm)، وتلفب أيضًا بـ(صائد الرمال) وذلك بسبب طريقتها في اصطياد فرائسها، فهي تقوم بحفر جحور في الرمال الناعمة وتختبئ بها، وباستخدام قرون الاستشعار التي لديها تكتشف الفرائس القريبة، ثم تلتقط فريستها فتضربها وتسحبها إلى جحرها لتقوم بافتراسها، وما يساعدها على ذلك هو ملحقات المشي المفصلية ذات العضلات القوية التي تمنحها السرعة الهائلة للخروج من جحورها والانقضاض على فريستها، إضافة إلى قوة فكيها التي بإمكانها كسر فريستها إلى نصفين.
روبيان السرعوف.. صاحب أسرع لكمة
يتميز روبيان السرعوف (Stomatopoda) بألوانه الزاهية الملفتة للعين فهو يعد من القشريات الملونة، وعلى الرغم من اسمه فإنه ليس روبيانا حقيقيا، بل هو نوع من القشريات قريب من السرطان والكركند، ويعرف روبيان السرعوف بسلوكه العدواني، فيلقبه بعض الباحثين (صاحب أسرع لكمة بين الحيوانات)، لأنه يمتلك زوجًا متخصصًا من المخالب الأمامية التي تساعده على اصطياد فرائسه، وتمكنه هذه المخالب كسر أحواض الأسماك الزجاجية والأصداف البحرية بلكمة واحدة.
ويعيش روبيان السرعوف في المياه الدافئة الضحلة في المحيط الهندي والمحيط الهادئ، ويوجد منه أكثر من 400 نوع مختلف، ومن الحقائق المثيرة للاهتمام عن روبيان السرعوف هي أنه يمتلك عيونًا مميزة تمكنه من اكتشاف كل من السرطان ونشاط الخلايا العصبية، كما تمكنه من اكتشاف الأشعة فوق البنفسجية العميقة والأشعة تحت الحمراء البعيدة.
في نهاية هذه الرحلة المدهشة إلى عالم الحيوانات الغريبة، نرى كيف تتجلى عظمة الخالق في تنوع أشكال الحياة وتكيفاتها المذهلة، إن هذه المخلوقات الفريدة التي قد تبدو للبعض كأنها من عوالم أخرى، تشاركنا هذا الكوكب وتستحق منا كل الاحترام والتقدير، نأمل أن يكون هذا المقال قد أثار فضولك ودفعك للتأمل في بديع صنع الله وأهمية الحفاظ على هذا التنوع البيولوجي الثمين، وتذكر أن كل كائن حي، مهما بدا غريبًا أو صغيرًا، يؤدي دورًا حيويًا في نسيج الحياة على كوكبنا، والحفاظ عليه هو مسؤوليتنا جميعًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.