حين يختار الشعر طريقًا آخر

الشعر ليس مجرد كلماتٍ تُصاغ، ولا بيتًا موزونًا ينساب كالماء، إنه الكائن الذي يعيش بين المسافةِ واللحظة، بين الإلهامِ والصمت.. إنه الشجرة التي تنبتُ في الفراغ، الظلُّ الذي لا يلتصق بصاحبه، والضوءُ الذي يُشرق من جهةٍ غير متوقعة.

إنه لا يحب القواعد، لكنها تعشقه، يتجول بلا وجهة، يسقط في قلب عاشقٍ سها في ليل المدينة، ثم يفرُّ إلى طفلٍ يخطّ بأصابعه معنى لم يخطر ببال أحد.

الشعر يختبئ في شرفة مهجورة، على جدران منسية، أو في عينين امتلأتا بالحيرة أو الدهشة، في ضحكةٍ لا تدري لماذا وُلدت، ولا متى ستموت.

الشعر.. أظنه هو الذي يترك نافذتك مواربة كي يتسلل الفجر، وهو اليد التي تمسح عن روحك الغبار دون أن تراها.. أحيانًا يلبس قناع الحكيم، وأحيانًا قناع المجنون، لكنه في النهاية ليس سوى مرآةٍ غير مأمونة العواقب، تظهر في وجهك صورةً لم تتوقعها.

الشعر، لا يأتي دائمًا إلى الورق، فهو كائن حر، يعشق التلاعب بالتفاصيل الصغيرة، يفضل أن يتسرب إلى دفاتر الأطفال، يختبئ بين ألوانهم الفوضوية، في تلك الخطوط التي لا تعرف النظام، في شمسهم البرتقالية التي تطفو في منتصف الصفحة، أو في عشبهم الأزرق الذي يرفض الانصياع للواقع.

الشعر لا يحب أن يكون دائمًا ذلك العاقل المتزن، يحب أحيانًا أن يكون مخادعًا أو متمردًا، قد يجعل النهار الغائم مشمسًا، والليالي الباردة دافئة، أو يحوّل صمت النهر إلى أغنية، ورؤوس الأحصنة في المرعى إلى قصائد لم تُكتب بعد.

أظن أن الشعر -ببساطة- لا يُكتب، بل يحدُث.. مثل ضوء خافت يتسلل عبر نافذة القلب، مثل رعشةٍ غير متوقعة في صوت العاشق، مثل موجة تأتي دون إذن لتكسر صمت البحر.

الشعر ليس حروفًا مرصوفة، بل لحظة تنبض بالحياة، وموقفٌ يختبئ بين تفاصيل العابرين، ووجعٌ يتنفس في أعماق الصمت.
إنه برقٌ يضيء فجأة، لكنه لا يترك أثرًا على الورق، بل في الروح.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة