حين تُقابل الإساءة... بكرامة!

حين تُقابل الإساءة... بكرامة!
في كل زاوية من زوايا الحياة، يختبئ اختبار جديد، لا يأتيك متأنقًا بربطة عنق ولا مغلفًا ببريق، بل يظهر على هيئة إساءة مباغتة، تُقذف في وجهك وأنت في كامل نقائك، أو في أكثر حالاتك تعبًا، وتنتظر منك أن تنفجر... أن ترد الصاع صاعين، وأن تهبط لمستواها، لكنك لا تفعل.
وليس لأنك لا تستطيع، بل لأنك أعلى، أنقى، أصفى.

الإساءة فعلٌ سهل.
أن تفتح فمك لتجرح، أن تخطّ حرفًا يوجع، أن تلوح بلسانك كسيف، هذا لا يحتاج لمهارة، بل لخللٍ بسيط في الضمير.
لكن أن تبتلع الغصة، أن تضمّد الجرح بصبر، أن تحول الأذى إلى صمت راقٍ، هذا هو الامتحان الحقيقي للنُبل الإنساني.

في كل لحظة ترد فيها على الإساءة، تموت فيك قطعة من السكينة.
وفي كل لحظة تصمت فيها عنها، تولد فيك قامة من الهيبة.

فيا من جرحتك كلماتٌ لم تكن في الحسبان، ووجهت لك سهام من أقرب من حسبتهم سندًا… لا تحزن، بل قف، خذ نفسًا عميقًا، وقل لنفسك: «أنا أكبر من الرد، أنا لا أقاتل في معارك لا تليق بي».

ولطالما حملت القصائد القديمة دروسًا من ذهب، فها هو الشاعر ينصحك:

إذا نطق السفيهُ فلا تُجبهُ
فخيرٌ من إجابته السكوتُ
فإن كلّمتَهُ فرّجتَ عنـــهُ
وإن خلّيتَه كمَداً يمـــوتُ

تأمل هذا البيت، ليس دعوة للجبن، ولا دعوة للتخاذل، بل هو درسٌ في الحكمة:
أنت لا تُصلح المُسيء بردّك، بل تُحييه حين تمنحه قيمة الرد.

بعض الناس لا يملكون ما يقولونه إلا إن أصغيت لهم، وبعضهم لا يشعرون بوجودهم إلا إن جروك لحروبهم، فاحذر... لا تدخل ميدانًا لا يُشبهك.
لا تكن مرآة لغيرك، بل كن وجهًا ناصعًا لا يتأثر بالغبار.

من يسيء إليك، يُظهر لك ما فيه.
ومن تصمت عنه، تُظهر له ما فيك.
وما أجمل الفرق بين من يُعرّي نفسه بقبح فعله، وبين من يُعبّر عن أخلاقه بحسن صمته.

الصمت أحيانًا ليس ضعفًا، بل رفعة.
الصمت أحيانًا هو أن تقول:
«أعلم ما فعلت، ورأيت ما قلت، لكني أختار أن أترفع، لا لأجلك… بل لأجلي.»

لأنني لا أريد أن أفقد سلامي من أجل أحدهم.
لأنني لا أريد أن أستنزف كرامتي في الردّ على من لا يعرف قيمتها.
ولأني، ببساطة، لست أنت.

وأنت يا من تُساء مرارًا، اعلم أنك لست مُطالبًا بتفسير صمتك، ولا بتبرير كرامتك.
الردّ الذكي ليس في الكلمات، بل في المواقف.
أن تمشي ثابتًا دون أن تلتفت، أن تبتسم على الرغم من الجرح، أن تواصل النجاح على الرغم من العرقلة… هذا أعظم رد.

ولعل أجمل انتقام في الدنيا، هو أن تبقى نقيًّا…
أن تستمر بنبلك، على الرغم من أن العالم يضغطك لتكون نسخةً منه.

فمن يُجيد الصراخ، لا يُجيد السكون.
ومن يزرع الأذى، لا يُتقن فن الحصاد.
لكن من يُجيد الصمت الهادئ… يعرف جيدًا متى يردّ، ومتى يُعلي الجدار بينه وبين الإساءة، دون أن يحرّك شفة.

قِف، لا ترد.
خُذ نفسًا، وابتسم.
ليس كل سهمٍ يستحق أن تُنزف بسببه، وليس كل كلمة تستحق أن تُفسد يومك.

في النهاية، أنت ما تختاره من ردود.
فاختر أن تكون دائمًا… أكبر.

خاتمة

دعاء لا يرد الإساءة فقط، بل يطهّر القلب منها
اللهم إني لا أطلبُ أن تُبكم ألسنة من أساؤوا إليّ، ولا أن تُخرس أقلامهم، بل أسألك يا رب، أن تُرزقني سعة صدرٍ لا تُهزم، وحكمةً لا تنكسر أمام الجهل، وقلبًا أبيض لا يحمل، وإن امتلأ بالألم.

اللهم اجعلني ممن إذا أُسيء إليهم، ردوا بالصمت رفعة، وإذا ظُلموا، ردّوا بالحُسن عزّة، وإذا طُعنوا، استمروا في طريقهم... واثقين أن العدل عندك، وأن الكرامة لا تُنتزع، بل تُحمى بالصبر والسكينة.

واجعلني يا الله، كلما هممتُ بالرد على من لا يستحق، أن أتذكَّر أنك تراني، وتكفيني، وتُدبر أمري بحكمة أعظم من ردي، وأن أستشعر قولك الكريم: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.»

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

♥️♥️♥️♥️♥️♥️
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

رائعة جدا 👍🙏
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.