لا شك أنك مررت بموقف توقعت فيه حدوث شيء ما، ثم فوجئت بأنه قد وقع فعلًا كما تخيلته، ربما قلت على سبيل المزاح: «لن أستيقظ للسحور الليلة»، وفجأة تجد نفسك غارقًا في النوم حتى الفجر. أو ربما خطرت ببالك فكرة أن يحضر أحدهم طعامًا معينًا، ثم فوجئت به أمامك وكأن أفكارك قد تجسدت في الواقع.
وعندما تتكرر مثل هذه المواقف، يبدأ الإنسان بالتساؤل: هل هذه مصادفات عابرة، أم أن شيئًا أعمق يجعلك تستشعر الأحداث قبل وقوعها؟
بين الحدس والعقل الباطن
ما يحدث قد يكون شبيهًا بذلك الصوت الخافت في عقلك الذي يخبرك بأن تتجنب طريقًا معينًا، فتمضي في طريق آخر لتكتشف لاحقًا أن الأول كان مزدحمًا أو وقع فيه حادث. إنه الحدس، ذلك الشعور الغامض الذي ينبهك إلى أمر ما دون أن تدري كيف أو لماذا.
علم النفس يفسر هذه الظاهرة بأن الدماغ يعمل آلة تحليلية دقيقة، يلتقط آلاف التفاصيل يوميًّا دون أن ندركها بوعينا الكامل. وكأن العقل الباطن يعمل حارسًا خفيًّا، ويخزن المعلومات ويعيد ترتيبها ليظهرها لنا على هيئة «إحساس مسبق».
فمثلًا، قد تكون لاحظتَ بطريقة غير واعية أن والدك فكر في شراء فاكهة معينة، أو أنك استشعرتَ إرهاق جسدك قبل أن تدرك حاجتك إلى النوم، فجاءت كلماتك وكأنها تنبؤات، لكنها في الواقع كانت نتيجة لقراءة غير مباشرة للمحيط حولك.
ما بين الصدفة والحاسة السادسة
بعضنا يرى أن هذه المواقف ليست عمليات تحليل لا واعية، بل هي نوع من «الاستبصار» أو الحاسة السادسة، إذ يمتلك بعض الأشخاص قدرة فطرية على استشعار الأمور قبل حدوثها، وكأن عقولهم تعمل رادارات تلتقط ذبذبات خفية من المستقبل، وقد يكون للأفكار أيضًا دور في جذب الأحداث، فحين تركز على شيء ما بقوة، قد تجد أن الحياة تجلبه إليك بطريقة غير متوقعة، كما يقول أنصار قانون الجذب.
هل تمتلك هذه القدرة؟
إذا كنت تجد هذه الظاهرة تتكرر معك كثيرًا، فجرِّب أن تحتفظ بمذكرة صغيرة تكتب فيها توقعاتك اليومية، ثم راجعها لاحقًا لترى مدى دقتها، قد تكتشف أنك أكثر ملاحظة لما حولك مما كنت تعتقد، أو قد تكتشف أن لديك إحساسًا داخليًا قويًا يتجاوز المنطق أحيانًا.
في النهاية، سواء كانت هذه الأحداث مجرد صدف متكررة أو قدرة حقيقية، فهي تبقى ظاهرة غامضة تستحق التأمل، تمامًا كما يستحق البحر التأمل حين تشعر أن موجه يعرف إلى أين يذهب قبل أن يصل إلى الشاطئ.
مقال جميل وشيق إكرام
بالتوفيق
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.