حين تشد رحالك إلى دمشق

هذي دمشق وهذي الكأس والراح    إني أحب وبعض الحب ذباح

أنا الدمشقي لو شرّحتم جسدي        لسالت منه عناقيد وفاح

دمشق شامة المدن، وجؤنة عطرها الفوّاح، عاصمة الأمويين، وعاصمة الحضارات على مر السنين.

دمشق، عشت فيها سنين كانت من أجمل سنوات عمري، فتاة يذوب الخجل على وردها، ذاك الورد الجوري على ضفاف مجرى نهرها بردى الذي يختال بين رياضها الغناء.

دمشق مدينة تقع في جنوب دمشق وهي عاصمة الجهورية العربية السورية، تنبسط على سهل واسع، تحوطها كسوار سلاسل جبال القلمون ولبنان الشرقية ومرتفعات حوران والجولان، وترتوي هذه المدينة من نهرها الصافي الذي ينبع من بحيرة نبع بردى في جنوب الزبداني، ما زلت لا أنسى ممشاه بين الجبال بموازاة الطرق، فتلتفت يميناً فتجده، وتلتفت يساراً فتجده أيضاً، يرافقنا في رحلتنا من ريف دمشق إلى العاصمة، يؤنسنا بخريره، ويضفي على الروح جمالاً نابعاً من بهائه، عقد من جمان ينتثر على جانبي الطريق، فتحار إلى أي جانب تنظر، تصل لدمشق، فيذهلك انبساطها، وسهولة التنقل فيها، كنا لا نمل من الذهاب بين أروقتها مشياً، تأخذك قدماك إلى سوق الحميدية الذي يعد من أقدم أسواقها، سوق مسقوف فيه من كل ما تشتهي نفسك، فيه تجد كل ما يحتاجك، وما يميزه أنه مصنف إلى أجزاء، كلُّ جزء مُسمّى ببضاعته، تدخل من بوابة السوق الذي يتلوى بك حتى تصل إلى نهايته، ليبدي لك لوحة فنية تاريخية تحكي حكاية تاريخ مجيد، يطل عليك المسجد الأموي بفسحة واسعة أمامه، على يمينها يفترش الحمام الأرض، ويسارع الناس إلى التصور أمامه وإطعامه.

وأكثر ما يميز المسجد الأموي تلك الساحة الرخامية الواسعة التي تتوسط المسجد، كنا نجد الناس قبل الحرب يتوزعون في أنحائها حفاة، الأطفال تتراكض، وأهلهم يجلسون على أطراف تلك الساحة، يقضون يومهم مستمتعين برطوبة المكان وجماله، يوافيهم الأذان أذان الأموي المعروف بأن مجموعة من المنشدين يؤدونه بأصواتهم العذبة، لا تجد المسجد خالياً من الزوار إلا هذه الأيام، كان عامراً بالزائرين والمصلين وحلقات العلم بل العلوم، وأكثر من ذلك أنك لا تكاد ترفع رأسك حتى يعلق بصرك بتلك الزخارف الفسيفسائية بألوانها الصافية، يعلوها الحمام الذي وجد أنسه هناك، حيث السكينة والهدوء.

ثم تخرج من الأموي، لتكمل رحلتك، تترك الحميدية متوجها إلى الحريقة، فباب توما، والقصاع، والقيمرية، تتابع السير لتصل إلى الشاغور فالميدان، ثم تعود قافلا باتجاه جسر الرئيس الذي يقترب من جامعة دمشق، ومحطة الحجاز، في حلقة مستديرة تعيدك إلى سوق الحميدية من جديد، تترك الطريق من هناك عائداً إلى بيتك القاطن في ريفها، تركب الحافلة التي لا بد تسلك طريقها المحفور في جبل قاسيون، ماراً بصرح الشهيد، شموخ ما بعده شموخ، وجمال ما بعده جمال، ثم يعود بك الطريق إلى السفح حيث تكمل الطريق والنهر الذي بدأت رحلتك معه، تصافح النسمات قمم شجر الحور الذي يملأ جانبي النهر، فيختلط صوت النهر بصوت الشجر، مع أصوات الأغاني القديمة التي تبثها الحافلة ليلاً، كلها تشكل لوحة لا تكاد تمحى من الذاكرة.    

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.