حياة الكفيف عن قرب.. هل جسَّدت السينما المصرية تجربتنا على نحو صحيح؟

تؤدي السينما دورًا مهمًّا في تمثيل الواقع، ومؤخرًا بدأ تركيز السينما يتجه نحو ذوي الهمم، فمن الأمثلة على ذلك المكفوفون. ولكن هل تمثيل السينما للمكفوفين حقيقي أم مجرد صورة نمطية؟

في هذا المقال سنتناول فهم السينما للمكفوفين، وتقييم مدى واقعية تلك التصورات، وكيف يستخدم المكفوفون الهواتف، وبعض النصائح لك لتجنب مضايقة أي كفيف.

تمثيل المكفوفين في الأفلام

على مر السنين، لعب كثير من الممثلين أدوار المكفوفين، ولكن في كثير من الأحيان، إما أن يُصور الكفيف على أنه شخص لديه قوة خارقة، أو شخص ساذج لا يستطيع فعل أي شيء. فهل هذا التصور حقيقي؟

بالتأكيد لا، فالكفيف شخص عادي، لديه مواصفات أي شخص آخر، ولكن ابتلاه الله بفقدان بصره.

فالشخص الكفيف المتميز والعبقري في مجاله ليس كذلك لأنه كفيف، بل نتيجة لجهوده واجتهاده، مثل الدكتور طه حسين، وعمار الشريعي، ولويس برايل، وغيرهم من المكفوفين الذين أدوا دورًا مهمًّا في حياتنا.

أما فكرة أنه شخص لا يستطيع فعل أي شيء ويحتاج دائمًا لمساعدة الآخرين، فهذا غير صحيح. فهو فاقد للبصر وليس لأي شيء آخر؛ أي أنه يستطيع أن يلبس بمفرده، ويأكل، ويذهب إلى الحمام. هذه أشياء بسيطة يمكنه فعلها بكل سهولة،.

ولكن، كل قاعدة ولها استثناءات؛ بمعنى أنه يوجد بعض المكفوفين الذين لا يستطيعون فعل هذه الأشياء البسيطة، ولكن هذا الخطأ يرجع إلى الأهل، لأنه ينتج عن الخوف الزائد وعدم جعلهم يعتمدون على أنفسهم.

اقرأ أيضًا: كيف تبدأ رحلتك في تطوير الذات؟

أمثلة سلبية.. تمثيل غير دقيق

يوجد كثير من الأفلام التي -حسب رأيي- مهينة لأي كفيف، مثل فيلم "صباحو كدب".

يحكي الفيلم قصة الأستاذ نعناعة، مدرس الموسيقى، الذي يعيش مع والده وزوجة أبيه، ولديه صديق يدعى شفيق، نعناعة لديه سيارة، ولكن شفيق حوَّلها لتاكسي كي يعمل عليها سائقًا دون أن يعلم.

نعناعة لديه قطعة أرض ورثها من أمه، وثمنها 7 ملايين جنيه، ولكن أباه وزوجة أبيه وصديقه قالوا له إن ثمنها 50 ألفًا.

في الفيلم، يتم تصوير نعناعة بأنه شخص كفيف لا يستطيع ملاحظة أي شيء حوله، ويتعرض للخداع باستمرار.

أقنعوه أن جارته التي يحبها، قمر، شخصية سيئة وهي في حقيقة الأمر تعمل خياطة، ثم خدعوه مرة أخرى بجلب راقصة وإقناعه بأنها ممرضة محجبة، أقنعوه أن أهلها يسكنون في طنطا وهم كانوا في القاهرة، شفيق أنزل نعناعة من السيارة ليقرأ الفاتحة للسيد البدوي، وفي الحقيقة كان يقف في الشارع عادي، مع أن الكفيف يستطيع تمييز الأماكن من حوله، فكيف لم يستطع التمييز أنه في الشارع، وحركة السيارات يسمعها بكل سهولة.

وعلى الرغم من كل الأحداث، لم يتمكن نعناعة من اكتشاف الحقيقة حتى سقط من السلم وعاد إليه بصره فجأة.

هذا الفيلم من أكثر الأفلام التي تمثل المكفوفين على نحو سلبي، فلا يُعقل أن يحدث كل ذلك ونعناعة لا يدري بما حوله من كذب، فقط لأنه كفيف.

ولماذا كان نعناعة لديه لدغة في حرف السين، ولما عاد بصره زالت هذه اللدغة؟

لا أعلم كيف مرَّت كل هذه التفاصيل على المخرج والممثلين والرقابة دون النظر في مصداقية أي مشهد، هذه التفاصيل غير واقعية وتُظهر المكفوفين بصورة تفتقر إلى الدقة والمصداقية، الفيلم كله غير منطقي، هدفه فقط الضحك، وكيفية إضحاك الناس عن طريق استغلال بطل كفيف والجميع حوله يستغله ويضحك عليه لأنه كفيف، لذا، من المهم أن يدرس الممثلون أدوارهم بدقة قبل تجسيد الشخصية.

اقرأ أيضًا: القصة الحقيقية لاختراع برايل

أمثلة إيجابية.. تمثيل واقعي ومحترم

على الجانب الآخر، توجد أفلام تعاملت مع المكفوفين تعاملًا واقعيًّا محترمًا. على سبيل المثال، كان فيلم "نور عيني" مثالًا جيدًا على تمثيل واقعي ومحترم للمكفوفين، قامت فيه منة شلبي بتمثيل الدور على نحو طبيعي جدًا، دون أي مبالغة في الوصف، الكوميديا فيه كانت معتمدة على المواقف العادية وليس على فكرة أنها كفيفة.

كذلك فيلم "قصة حب"، فقد مثَّل أحمد حاتم الدور على نحو رائع دون مبالغة، بمواقف تحدث فعلًا في حياتنا العادية دون استهزاء.

اقرأ أيضًا: كيف تتعامل مع الكفيف ولا تؤذي مشاعره؟

لماذا أتحدث عن تمثيل الإعلام للمكفوفين أو لذوي الهمم عامة؟

لأن هذا يؤثر في المجتمع، عندما تمثل أنت الكفيف على أنه شخص اعتمادي لا يستطيع فعل شيء بمفرده فهذه الصورة ترسخ في أذهان الناس، وهذا ينتج عنه أشياء حقًا مضحكة، وهذا يؤثر سلبًا فينا ليس فقط بالنسبة للحياة الاجتماعية، بل يؤثر أيضًا من ناحية العمل.

قد يعتقد البعض أنني أبالغ في تسليط الضوء على هذا الموضوع، وأنه ليس لهذه الدرجة، ولكن هذه حقيقة، كثير من الشركات، والمؤسسات ترفض عمل الشخص الكفيف لديهم، فقط لأنه كفيف لا لأنه يفتقد إلى الخبرة.

والعكس، عندما تصور الكفيف على أنه خارق، ويمكنه أن يسوق طائرة، ويسوق سيارة فهذا يجعل الناس تظن أننا خارقون، لدينا قدرات فائقة عن بقية البشر، مع أن هذا غير منطقي، فأرجوكم تعاملوا مع الموضوع بدقة ومصداقية حتى لا تزرعوا في أدمغة الناس أشياء غير منطقية وليس لها أساس من الصحة.

اقرأ أيضًا: تشخيص التوحد لدى المكفوفين

كيف يتعامل الكفيف مع الهاتف والكمبيوتر؟

يتعجب كثيرون عندما يعلمون أن الشخص الكفيف يستطيع استخدام الهاتف بكل سهولة مثل أي شخص آخر. فكيف يفعل ذلك؟

ببساطة، يوجد برنامج على أي هاتف يُدعى قارئ الشاشة (Screen reader)، يمكن تشغيله، وهو يقرأ كل شيء على الشاشة، فمثلًا، إذا أردت فتح يوتيوب، تعرفه من شكله، أما وفقًا للكفيف، فهو يلمس الشاشة فيقرأ له قارئ الشاشة أن هذا هو YouTube، فيضغط عليه ليفتحه، بمعنى أن اللمسة الأولى تقرأ العنصر، وإذا أراد فتحه، يضغط عليه مرتين بكل بساطة.

وكذلك الكمبيوتر أو اللابتوب، يوجد أيضًا قارئ للشاشة، ولكن تختلف الأسماء، لا أريد أن أشغلك بتفاصيل لا تفيدك، ولكنه يفعل الشيء نفسه، يقرأ كل شيء على الشاشة باستخدام الكيبورد بدلًا من الماوس، فنحن نتقن مهارة قد يتمنى كثيرون تعلمها، وهي الكتابة بسرعة على الكيبورد دون النظر إليه، هذا هو استخدام الهاتف والكمبيوتر بكل بساطة.

ولكن بعض المبرمجين يتجاهلون فكرة عند إنشاء التطبيق، وهي أننا نستخدم هذه التطبيقات، فيوجد شيء عند تصميمه للتطبيق اسمه accessibility أو التوافق، فبعض التطبيقات لا نستطيع استخدامها أبدًا؛ لأنها غير متوافقة مع قارئات الشاشة، مثل تطبيقات مونتاج الفيديو، وتطبيق ذا أمريكان إنجلش، وطليق بعد التحديثات، وكثير من التطبيقات والمواقع، فكيف يتجاهلون فئة برمتها لمجرد عدم الوعي باحتياجاتهم؟

اقرأ أيضًا: طاقة نور

أشياء يمكنك تجنبها عند التعامل مع المكفوفين

عند التعامل مع شخص كفيف، قد يكون من الطبيعي أن يرغب بعض الناس في تقديم المساعدة، ولكن هذا قد يكون مزعجًا في بعض الأحيان، من الأفضل الانتظار حتى يطلب الشخص الكفيف المساعدة إذا احتاج إليها.

فمثلًا، عند رؤيتي استخدم الهاتف للاتصال بأحد، لا داعي لقول: "أعطني الهاتف، سأتصل لك"، فأنا أستطيع الاتصال بمفردي، كذلك، إذا كنت أستخدم الهاتف، لا تقل: "الشاشة مغلقة، ماذا تفعل؟" بالتأكيد أنا لست غبيًا، يوجد شيء في الهاتف يُسمى تعتيم الشاشة حتى لا ينظر المتطفلون إلى ما أفعله دون علمي.

وفي حال شراء كثير من الأشياء معًا، لا تفترض أنني غير قادرة على حمل الأغراض بنفسي. فأنا أستطيع المساعدة في حمل بعض الأغراض، ما علاقة كوني كفيفًا بعدم قدرتي على حمل الأشياء؟

ختاما، يُعد تمثيل السينما للمكفوفين أمرًا مهمًّا جدًا؛ لأنه يظل سنوات وقد يصل لقرون، فتخيل كم شخصًا في مخيلته يرى الكفيف بالصورة النمطية بسبب السينما، فمن المهم تمثيل هذه الأشياء على حقيقتها دون مبالغة.