تفيض قصيدة «ما بال قلبي قد تعاظم خطبه؟» بروحٍ من الشجن النبيل الذي يذكّر بأطياف الشعر العربي الكلاسيكي، حيث تمتزج الصورة الوجدانية بالرمز، والعاطفة الصادقة بالموسيقى الهادئة.
يعبر الشاعر عن ألم الفقد وحنين اللقاء بلغة رشيقة وأوزان متقنة، تجعل القارئ يسافر معه في رحلة بين الأطلال والذكريات. إنها قصيدة تعيد إلى الأذهان الموروث العاطفي العربي حين كان الحنين مرآة الروح، والقصيدة اعترافًا جماليًا بالفقد والرجاء.
ما بال قلبي قد تعاظم خطبه؟
لـمــا تـذكَّـــر إخـوة وصـحـابـا
ألأن أيـام الـفـــراق ثـقـيـلــة؟
أم أن قلبي ما أطاق صبـابــا؟
كانوا هم الأحشاء حتى أظعنوا
تـركـوا ديـار الأنـس بعدُ خرابـا
ضاقت عليَّ من العـوالم كلـمـا
مــروا خيـــالًا أوردوه ســرابـا
لو أن وصلهـمُ يكـون حقيـقـة
وأنال منهم جمـلـة وخـطـابــا
لوجدت شمسًا لا تفارق وجنتي
وأطـل نجمـًا رائـدًا وسـحـابـــا
أبكي على الأطلال ما لاقيتهــا
وتؤزُّني الذكرى لـهـم تـغـلابـــا
وأغوص في بحر الخيال وأنثني
مـمــا أؤمــل رجـعــة وإيـابـــا
للغابـرات وكـن خـيـر جـلائــس
للوافدين ولـلـتـواصــل بــابـــا
القاطعات على مفارقـة النـوى
قفر الفيافي سهلها وهضـابـــا
والجامعات قرىً على أكبادها
حتى توفَّي حق من هـو آبـــا
هل في القضاء بأن نؤوب ونلتقي؟
ونذوق كأس الخاليات رضابـا
أبليتُ هذا الجسم من تحنانه
وبـريـتـه ظـلـمـًا لـه وعـذابـــا
وسلبتـهُ اللـذات كـلَّ هـنـيـئـةٍ
وسقيته الشهد المعلقم صابــا
يـا من يـرانـي ذابـلًا مـتفـطـرًا
دعني أسح من الدموع شرابـا
دعني ولا تسأل لمـاذا أنـطـوي
ماذا أقول وقد عدمتُ جوابــا
يهمي عليَّ من الصبابـة وابــلٌ
يجتاح قلبي شـدة ومـصـابـــا
إني سئمت من الحياة تضجرًا
وتركت منها فسحة ورحـابـــا
كل القصائـد لا تفـي بتوجعي
لـكـننـي ألـقـى بـهـنَّ طـبـابـــا
وأخفف الآلام كي لا تـكـتـوي
بلظى السكوت بنسجهنَّ كتابا
تستعيد قصيدةً «ما بال قلبي» الجوهر النقي للشعر العربي، إذ تمزج بين صدق العاطفة وجمال الصياغة، وبين أنين القلب وبلاغة البيان. إنها مرآة لوجدان إنساني صادق لا ينضب، يُعيد إلى القصيدة العربية أصالتها، ويُذكرنا بأن الشعر لا يزال الدواء الأول لجراح الروح، مهما تغيّر الزمان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.