حلم الرحيل.. بين شغف السفر وضريبة الترحال

على مر الأزمان والعصور كانت أحلام الرحالة مستحيلة، لكونهم يطمحون للوصول إلى آخر العالم، ما يجعل مهمة الرحالة شبه أسطورية؛ لأنها تحتاج إلى إرادة صلبة، وشغف، وكذلك يظل الرحالة في حاجة دائمة إلى قلب قوي يتحمل المغامرة، ويظل الرحالة في ندرة، لأنه من الصعب على الإنسان العادي أن يعيش في سفر دائم، وتكون مهمة الرحالة بغرض الاستكشاف والتعرف على العادات والغرائب في أنحاء العالم وغيرها، وقد كان للرحالة العرب دورٌ سبَّاقٌ في هذا المجال في العصور السابقة، وأشهرهم الرحالة ابن بطوطة، وأبو دلف، وأحمد بن ماجد، وغيرهم كثير من الأسماء المميزة.

رحالة رقميون

وفي العصر الحالي، برز "الرحالة الرقميون"، إذ أصبح الجمع بين العمل والسفر غاية، أو ما يُعرف بأنه سمة بارزة في العصر الحديث الذي انتشر فيه مفهوم العمل عن بُعد، وهذه الفكرة غالبًا ما تستحضر صورة ذهنية لكاتب محترف أو تقني بصحبة جهاز كمبيوتر، ينقر على لوحة مفاتيحه وهو يجلس في مقهى على شاطئ البحر، أو يتجول في شوارع مدينة أجنبية خلابة. أمثال هؤلاء يتمتعون برؤية العالم، والتعرف على وجوه جديدة، إلى جانب العمل في وقتهم الخاص.

في العصر الحالي برز 

إن أصعب ما يمكن أن يُجهد الإنسان هو أن يعيش في ترحال، ينتقل من بلد إلى بلد، أو مهاجرًا من مكان إلى مكان بلا راحة. وعلى الرغم من السحر والمغامرة اللذين يظهران جليًا في حياة الرحالة، فإن الإنسان يبقى باحثًا عن المقر الذي يسعى للاستقرار به.

السعي لكشف الأسرار

لقد قصَّ علينا الرحالة قصصًا وغرائب مثيرة تحرك داخلنا الفضول والبحث وراءها، إضافة إلى زرع بذور الفكر وثقافة الاستقصاء. ولكن يبقى الحنين إلى الأرض داخل القلوب.

يميل الإنسان دائمًا إلى كشف الغموض، والأسرار التي تنتشر في البلاد البعيدة، التي تخالف ما اعتاد عليه، وهو في سعي دائم لمعرفة عجائب الدنيا والبلدان الأخرى، فيرى المحيطات والغابات، وينبهر بجمال الطبيعة، ما يحفزه على السفر والتجوال. وقد نال أدب الرحلات اهتمامًا كبيرًا من مشاهير الكتاب الذين نالوا شهرة مطلقة؛ لأنهم يتحدثون عما يهواه الناس ويميلون إليه، لكن تبقى حياة الترحال شديدة الصعوبة والجفاء؛ لأن كثرة الأسفار والتنقل يبعثان في النفوس شعورًا بالغربة والألم.

قد تعتقد أن القبطان البحري والرحالة هم أسعد المخلوقات في العالم، وأنهم يمتلكون الحرية مثل الطيور التي تطير إلى أعلى الجبال لتصل إلى السماء العليا، لكن الأنام ليسوا كالصقور، والعصفور لا يشبه الإنسان. فالبشر خلقوا ليسيروا على الأرض، ولم يُخلقوا للسير على البحار، أو في السماوات، وهم بحاجة دائمة إلى تثبيت أقدامهم على الأرض، لكي يشعروا بالأمان والرضا؛ لأنهم غير مدربين على الطيران، والإحساس بإمكانية السقوط قائم دائمًا داخل نفوس الرحالة، فهو تواق للوصول إلى نقطة النهاية التي يحلم أن تكون قريبة.

مخاطر السفر وضريبة لا بد منها

لقد أشار علماء الطب النفسي إلى المتاعب النفسية الكارثية التي يتعرض لها الرحالة، من ناحية الشعور بالعزلة، واضطراب الأعصاب، والهروب من المسؤولية، أما من ناحية المخاطر، فإنها كثيرة، ولا يستطيع أحد حصرها أو التنبؤ بها، فمن بين هذه المخاطر، تلك المتعلقة بالطبيعة (أعاصير، وعواصف شديدة، فيضانات، جفاف، زلازل، ثلوج كثيفة، حرائق غابات).

من ناحية أخرى، يتعرض الرحالة لمخاطر الحيوانات البرية، فقد يتعرضون لهجمات الحيوانات المفترسة، مثل الأسود، أو النمور، أو الثعابين السامة، كذلك يتعرض الرحالة لمخاطر السرقة والاعتداء، من قبل لصوص أو مجرمين في المناطق الخطرة، وهم معرضون دائمًا للأمراض والحوادث، فقد يصابون بالحمى أو السل، ويمكن أن يتعرضوا لحوادث السقوط أو الإصابة بكسور.

قبل السفر دوِّن كل ما تعرفه عن وجهتك المقبلة من ناحية البيئة والطقس والغذاء

السفر والترحال من الأشياء المحببة لغالبية البشر، لكن لكل شيء محبوب ضريبة يدفعها الإنسان من صحته، وسعادته، ووقته، لأن لكل سلعة ثمنًا، وثمن الترحال ليس بالهين. فإذا كنت تحب السفر ومن هواة الترحال، فإنه يجب عليك الاستعداد للمستقبل بعمل خريطة وجدول زمني، لكي تنظم قدراتك المادية، وتحدد الوقت المناسب لنقطة البداية، وقبل أن تسافر، فعليك تدوين كل ما تعرفه عن البلدان التي تنوي أن تبدأ رحلاتك منها، من ناحية البيئة، والطقس، والغذاء، ومن المهم جدًّا معرفة وفرة الدواء من عدمه، فثمة بلدان تعاني الظروف الصحية القاسية، ونقص الدواء.

في النهاية، تذكر أن الحياة لا تتوقف على حلم واحد، بل تمتلئ بالأحلام والبدائل، وأمام كل حلم مفقود، آمال أخرى تولد، فمن رحم المعاناة يولد الأمان.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يسعدلي صباحك صديقتي عزة ...
رائعة المقالة .. دمتي بألف خير وصحة ودمتي كاتبتنا الرائعة والمتألقة .. افتقدت كتاباتك بانتظارك بالمقال القادم
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

صديقتي العزيزة شهد. انا سعيدة جدا بصداقتك وكلماتك الرقيقة ومرورك الكريم وذوقك يسعدني جدا . واناايضا افتقد كتاباتك . انتظر مزيدا من مقالاتك ومدوناتك.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة