تمتد البلقاء من وادي زرقاء ماعين جنوبًا إلى وادي زرقاء شبيب شمالًا، ومن الخط الحديدي الحجازي شرقًا حتى نهر الأردن والبحر الميت غربًا، وفي هذا السياق تمثل حلفٌ عُرف بـ«حلف البلقاء» الذي شمل أنصاف بدو وفلاحين ومدنيين، وتلقى دعمًا من الدولة العثمانية، بهدف تطوير الزراعة وإنشاء متحد تجاري محلي.
تَكوُّن حلف البلقاء
وشمل هذا الحلف عشائر بلقاوية، ومنها عشائر مسيحية من مأدبا وماعين، زيادةً على الدعجة والعجارمة والعدوان وبني حسن والسلطية وعشائر الغور الأوسط.
وشهدت البلقاء ازدهارًا اقتصاديًّا شمل القطاعات الزراعية والتجارية والحرفية، إذ كان مدعومًا من قبل الدولة العثمانية، كما أسهم في تشكيل قوة لمواجهة غزوات البدو في المنطقة، وذلك ضمن سياسة العثمانيين في أواخر القرن التاسع عشر الهادفة إلى تثبيت المستقرات البشرية في المنطقة.
التطور الزراعي.. من الرعي إلى الزراعة البعلية
ومع نهايات القرن التاسع عشر، بدأت الزراعة البعلية خاصة زراعة الحبوب، تأخذ دورًا رئيسيًا في تشكيل الاقتصاد الشعبي المحلي، بعد أن كان الاعتماد الأساسي على الرعي. وقد استفاد السكان في ذلك من خبرات عشائر العزيزات والمعايعة والكرادشة، الذين استقروا في خرائب مأدبا بعد قدومهم من الكرك، إلى جانب استيطان المصاروة في سحاب، وكذلك استقرار الشراكسة في اليادودة وعمان.
وتضم عشائر البلقاوية، العوازم في ماعين، والحدادين، والغنيمات، والشواكرة، والأزايدة، والشوابكة، والحنيطيين، والحديد، والقطارنة، والرقاد، والدبوبي.
وقد عُرفت الدعجة بممارسة الزراعة إلى جانب الرعي، وتتوزع مناطقهم من الرصيفة وطبربور شمال عمان، وصولًا إلى أم القصير والبنيات جنوبًا.
أما عشائر العجارمة، فتمتد على مناطق جنوب غرب عمان، التي تضم مرج الحمام وناعور، إلى شمال مأدبا، كما يُعرف العجارمة بلقب صبيان الصباح.
سر زعامة الحلف.. وتركيبة السلط المجتمعية
ومنحت طبيعة العدوان، والقائمة على كونها قبيلة تقوم على الغزو والقتال، وعلى القوة السياسية والعسكرية، زعامة حلف البلقاء، على الرغم من ذلك كان العدوان يهتمون بالحياة الحضرية، بما فيها الشعر والمرويات، ومن أبرزهم الشاعر الأردني نمر بن عدوان.
تركيبة السلط المجتمعية وتاريخها
وبدأت السلط في الاتساع خلال العهد العثماني، وضمت عشائر نصف بدوية وفلاحية، ومهاجرين من فلسطين، إذ تمتاز المدينة بطبوغرافية حصينة ضد الغزوات المجاورة، ما سمح بتكوين قوة دفاعية تحمي فلاحي المدينة، كما تمتاز بخصوبة الأرض ووفرة المياه، واتصالها الجغرافي بفلسطين.
النتائج الاجتماعية والاقتصادية لحلف البلقاء
تألفت السلط من محلات عدة، هي العواملة، والجدعة، والأكراد، والقطيشات، والأغراب، وكانت القلعة مركزًا تتمحور حوله تلك المحلات، في حين كانت تتبع السلط العثمانية قرى صويلح، وأم جوزة، والفحيص، والرميمين، والرمان، وماحص. وقد توزعت العشائر على المحلات والمناطق وفق أسس القرابة والدم. وانتشرت المضافات في السلط التي أدت دورًا سياسيًّا، إذ إن السلط كانت مركز حلف البلقاء، بزعامة العدوان، ما مكَّن أهالي السلط من التخلص المبكر من دفع الخاوات.
ختامًا.. يمثل حلف البلقاء نموذجًا تاريخيًا يجمع بين التراث الزراعي والتطور الاجتماعي، فقد أسهم بدعم الدولة العثمانية والعشائر المحلية في تكوين هوية اقتصادية واجتماعية متماسكة. ويظهر هذا الحلف أهمية التكامل بين التاريخ والتراث في بناء المجتمعات، ما يجعل دراسته وفهمه أمرًا بالغ الأهمية لمن يرغب في استكشاف جذور التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.