لا شكَّ أن المخترع والخبير التقني الأميركي صاحب الأصل السوري، ستيف جوبز، هو أحد الرجال الذين صنعوا الواقع التكنولوجي الذي نعيشه الآن، لا سيما في مجال الحاسوب والهاتف النقال. وقد شهدت حياته عددًا من المشاهد الدرامية والأحداث الساخنة منذ ولادته حتى وفاته بمرض نادر. كما ارتبط اسمه بصناعة النهضة الكبيرة والتفوق العالمي لشركة آبل ومنتجاتها التي تتربع على قمة صناعة الحواسب الإلكترونية وأجهزة الهاتف المحمول.
وفي هذا المقال، نتجول معًا في حياة المخترع الأميركي ستيف جوبز لنتعرف على أهم محطاته الشخصية والعلمية، وكيف استطاع أن يترك بصمة مدهشة في عالم التقنية، وكذلك كيف توفي متأثرًا بمرضه النادر في السطور التالية.
اقرأ أيضًا: حكايات ملهمة لرواد أعمال.. بيل غيتس ومايكروسوفت
المولد والنشأة
لعلَّ نشأة ستيف جوبز تُعدُّ عملًا دراميًّا متكاملًا يحتاج إلى تناوله بواسطة مسلسل أو فيلم سينمائي، وهو ما حدث فعلًا، حيث يحيطه كثير من الغموض والأسرار. فيُقال إن ستيف جوبز وُلد لأبوين طالبين في الجامعة وغير متزوجين، وعُرِض وأخته للتبني نتيجة انفصال الوالدين، فتبنَّت عائلة من أصول أرمينية بولندية ستيف جوبز، في حين تبنَّت عائلة أمريكية أخته التي أصبحت بعد ذلك كاتبة معروفة.
بينما تؤكد أقوال أخرى أن ستيف جوبز وُلد لأب سوري وزوجته التي كانت زميلته في الجامعة، وأنهما قضيا بعض الوقت في سوريا قبل الانفصال وعرض الابنين للتبني.
وُلد ستيف جوبز في ولاية كاليفورنيا الأمريكية يوم 24 فبراير عام 1955، وعاش مع العائلة التي تبنته في منطقة عُرفت بعد ذلك باسم وادي السيليكون، وهي أكثر المناطق الأمريكية اهتمامًا بصناعة التكنولوجيا. وهو ما ساعد الفتى على الاقتراب من مجال شغفه بالإلكترونيات وعمل الآلات، حتى إنه ابتكر شريحة إلكترونية وهو في المرحلة الثانوية، ثم التحق بعد ذلك بدورة تدريبية تخص المعارف والمهارات الإلكترونية في شركة (إتش بي).
كانت دراسة ستيف جوبز في جامعة ريد بولاية أوريغون تجربة غير ناجحة، فلم يُكمل دراسته في منتصف العام الأول بسبب مشكلات مالية لحقت بالعائلة. لكن الفتى أكمل طريقه في اكتساب مزيد من المهارات الخاصة بالتكنولوجيا والإلكترونيات، وعرض عدد من أفكاره على الشركات، وحصل فعلًا على وظيفة في شركة (أتاري) للألعاب، ثم انتقل إلى وظيفة أخرى في مصنع الشركة قبل أن يبدأ أولى خطواته الكبيرة.
اقرأ أيضًا: 7 أشياء لا استغناء عنها اذا اردت أن تصبح رائد أعمال
تأسيس شركة آبل
تُعدُّ البداية الحقيقية لستيف جوبز هي اختراعه لجهاز يسمح بإجراء مكالمات مجانية بعيدة المدى، وهو ما نقله عمليًّا إلى فكرة أكثر شمولية مع صديقه (ستيف وزنياك)، وهي فكرة إنشاء الحاسوب. فباع كل منهما ما يملك، سواء السيارة أو الآلة الحاسبة العلمية؛ من أجل إكمال المشروع الأهم في حياتهما الذي تجسد في شركة أسست عام 1976 تحت اسم شركة آبل التي عرفها العالم بعد ذلك بشعار التفاحة.
جاءت صناعة الكمبيوتر الأول لشركة آبل عن طريق اتفاق بين ستيف جوبز وستيف وزنياك مع أحد المتاجر المحلية بشراء 50 جهازًا قبل تصنيعها، والاتفاق أيضًا مع مورِّدي الأدوات الإلكترونية لإمدادهم بالمكونات. وهكذا بدأ ستيف جوبز إنتاج أجهزته الخاصة دون الحاجة إلى الاقتراض، إذ استعان برجل الأعمال (مايك ماركولا) الذي دفع 250 ألف دولار ودخل معهم في شراكة لكسر احتكار شركة (آي بي إم) لعالم الكمبيوتر.
أصدرت الشركة الناشئة نموذجًا رائعًا للكمبيوتر الشخصي الذي يحتوي رسومًا وواجهة سهلة الاستخدام وفأرة، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في عالم الإلكترونيات. وعلى أثره، انتشرت الأجهزة الكبيرة التي تحمل شعار شركة آبل، التي أصبحت بدورها تواجه كبرى الشركات العالمية في إنتاج الحواسيب.
اقرأ أيضًا: عليك التغلب على هذه الامور لتصبح رائد اعمال
خروج ستيف جوبز من آبل
على الرغم من النجاح الكبير الذي عاشته شركة أبل بعد صدور جهازها الجديد الذي حقق انتشارًا هائلًا في مواجهة الشركات الكبيرة مثل مايكروسوفت وإنتل، لكن الصراعات والخلافات عرفت طريقها إلى الشركاء، ما أدى إلى استقالة ستيف جوبز، أو بالأحرى طرده من الشركة عام 1985.
دفعه ذلك إلى تأسيس شركة جديدة تحت اسم (نكست)، وهو ما مثَّل أصعب تجربة لستيف جوبز في حياته، لكنه دفعه أيضًا لمزيد من الابتكار والمنافسة، إذ حصل على دعم كبير من عدد كبير من رجال الأعمال والمهتمين بالتكنولوجيا في أمريكا من أجل تأسيس شركته الجديدة.
بدأ ستيف جوبز بإنتاج أجهزة الكمبيوتر تحت اسم نكست التي حملت عددًا من الإمكانات المتطورة والبرمجيات العالية، إضافة إلى نظام التشغيل الجديد الذي كان أساسًا بعد ذلك لنظام ماك الذي انتشر في جميع أنحاء العالم وتربع على قمة أنظمة التشغيل، إضافة إلى أناقة التصميم المدهشة في أجهزة نكست.
ثم انتقل ستيف جوبز إلى خطوة جديدة عام 1986 عن طريق شراء إحدى الشركات التي تعمل في مجال أفلام الكرتون التي حوَّلها بنفسه إلى شركة عالمية. لكن خسائر مادية كبيرة تعرَّضت لها شركته جعلته يغلق المصنع الخاص بها عام 1993، ويكتفي ببيع البرامج بدلًا من أجهزة الكمبيوتر.
العودة إلى شركة آبل
بعد خروج ستيف جوبز من شركة أبل، بدأت الخلافات تزداد يومًا بعد يوم نتيجة الانهيار الذي حدث لمبيعات الشركة وتقلص حصتها في السوق، والاستعانة بعدد من المديرين الذين لم يحققوا النجاح المطلوب. وبذلك، استقرت الشركة على عودة ستيف جوبز مرة أخرى من أجل إنقاذ الشركة من حالة السقوط والفشل، وهو ما أدى في النهاية إلى شراء شركة أبل لأسهم شركة نكست مقابل 400 مليون دولار، إضافة إلى تعيين ستيف جوبز رئيسًا تنفيذيًّا للشركة مقابل راتب قدره (دولار واحد) سنويًّا، وهو الأمر الغريب الذي تناقلته الصحف وأُدرج أيضًا في موسوعة جينيس للأرقام القياسية باعتباره أقل راتب يتقاضاه رئيس تنفيذي لشركة.
كانت عودة ستيف جوبز لشركة أبل تشبه عودة الروح للجسد، إذ أطلق المبتكر العبقري سلسلة كومبيوتر (آي ماك) التي حققت نجاحًا كبيرًا وأعادت شركة أبل إلى مكانتها في سوق الأجهزة. وهو ما مهَّد إلى تولي ستيف جوبز منصب الرئيس التنفيذي الدائم للشركة عام 2000.
كما امتلك نحو 30 مليون سهم في الشركة، إضافة إلى عبقريته الشديدة في تسويق المنتجات الجديدة التي وضعت شركة أبل على قمة السوق العالمي، كما وضعت علامتها التجارية كونها أكثر العلامات التجارية المعروفة والمتداولة والمطلوبة في العالم في مجال الإلكترونيات والتكنولوجيا.
أهم ابتكارات ستيف جوبز
لا يتوقف دور ستيف جوبز فقط عند جهوده في نجاح شركة أبل من حيث تصميم البرامج وصناعة أجهزة الكمبيوتر وعبقريته في تسويق المنتجات وعمل المؤتمرات الدعائية وعرض أفكاره بأساليب جديدة، وإنما كانت هناك إبداعات وابتكارات مهمة قدمها ستيف جوبز بشركة أبل وللعالم. ولعلَّ أبرزها نقل أجهزة الكمبيوتر من الاستخدام المكتبي إلى مرحلة جديدة، وهي لاستخدام المحمول.
وقدَّم ستيف جوبز عددًا من الطفرات التي ساعدت الناس في الحصول على المتعة والتجربة المدهشة، مثل جهاز (آيبود)، وهو جهاز موسيقي محمول، إضافة إلى اتفاقه مع عدد من الشركات على استغلال وتسويق الأغاني الخاصة بها بواسطة برنامج (آي تونز) الذي يجري تحميله أيضًا على جهاز آيبود.
كما اخترع ستيف جوبز جهاز الآيفون الذي تربع بدوره على قمة عالم الأجهزة المحمولة وأصبح مطلب الجميع في كل مكان نظرًا لإمكاناته المتطورة.
أضف إلى ذلك جهاز الحاسوب اللوحي الذي يعرفه الناس باسم (آي باد)، وقدرته على تشغيل أكثر البرامج تطورًا في مجال الأعمال والترفيه. وهو ما دفع ستيف جوبز إلى القول بأن الأشخاص الذين يستعين بهم في العمل على إنتاج هذه الأفكار وتحويلها إلى أجهزة ليسوا فقط مجرد مهندسين ومبرمجين، وإنما هم شعراء ورسامون ومفكرون يساهمون في صناعة منتج إبداعي مبهر.
يعود الفضل أيضًا لستيف جوبز في مسألة استخدام فأرة الحاسوب التي كانت ابتكارًا عبقريًّا ساعد على سهولة استخدام الأجهزة، إضافة إلى اختراعه للشاشات التي تعمل عن طريق اللمس سواء في الأجهزة اللوحية أو الهواتف النقالة. وهي الأمور التي نتعامل معها طبيعيًّا اليوم، لكنها كانت مجرد أفكار خيالية في عقل ستيف جوبز قبل تنفيذها، وهو ما دفع شركة أبل لتكون أغلى شركة في العالم، متفوقة على عدد من عمالقة الصناعة والتكنولوجيا في العالم، فقد وصلت قيمتها السوقية إلى نحو 375 مليار دولار.
سر تفاحة ستيف جوبز
تُعدُّ التفاحة المقضومة الخاصة بشركة أبل أشهر رمز تجاري في العالم، يُشير إلى التقدم والتطور والأناقة وارتفاع السعر أيضًا. ولا يعلم كثير من الناس أن ستيف جوبز في بداية حياته كان يعمل في حقل تفاح، وهو ما جعله يختار شجرة التفاح شعارًا لمنتجاته الأولى، إذ كان يتم رسم الشجرة يجلس تحتها إسحاق نيوتن. لكن الرمز لم يكن واضحًا بالقدر الكافي للمستهلكين، ومن ثم استبدل ستيف جوبز الرمز القديم برمز التفاحة المقضومة الذي نعرفه الآن الذي يقول عنه ستيف جوبز: إنه رمز إلى قدرات شركة أبل التي تُعبِّر عن المعرفة التي قضمها آدم في أثناء وجوده في الجنة.
أقوال ستيف جوبز
- لا يهمني أن أكون أغنى رجل قدر ما يهمني أن أعود للفراش في المساء وأنا أشعر أنني قمت بشيء رائع.
- لا تستمع أكثر من اللازم إلى ما يقوله الزبائن.
- التجديد هو ما يميز القائد عمن يتبعه.
- الأشخاص الذين لديهم ما يكفي من الجنون ليعتقدوا أنه بإمكانهم تغيير العالم هم فعلًا من يغيرون العالم.
- كان الطرد من شركة أبل أفضل شيء يمكن أن يحدث لي على الإطلاق، حيث تحررت من قيود النجاح وأصبحت خفيفًا كمبتدئ مرة أخرى. لقد تحررت ودخلت واحدة من أكثر فترات حياتي إبداعًا.
- الجودة أهم من الكمية. قطعة واحدة عالية الجودة أفضل من 100 رديئة الجودة.
وفاة ستيف جوبز
كما كانت حياته سلسلة من الدراما والأحداث الساخنة، كانت أحداث وفاته أيضًا لا تقل دراما وسخونة؛ إذ أُعلن عام 2004 أنه مصاب بمرض نادر أدى إلى ظهور ورم سرطاني في البنكرياس، وهو ما لا يبشر بنتائج جيدة وغالبًا ما يؤدي إلى الموت. ومن ثم، أجرى ستيف جوبز استئصال للبنكرياس في العام نفسه.
في عام 2011، قدَّم ستيف جوبز استقالته لعدم قدرته على مزاولة أعماله بصفته مديرًا تنفيذيًّا للشركة. وكان وقتها يبلغ من العمر 56 عامًا. وكان المخترع العبقري قد دخل في إجازة مرضية قبل ذلك، مع أنه كان دائمًا ما يراجع القرارات الكبرى والعمليات المهمة.
لكن الأمر أصبح صعبًا على ستيف جوبز الذي تقدم برسالة استقالة يقول فيها إنه لم يعُد أهلًا للواجبات والتوقعات التي تقع على كاهله كونه المدير التنفيذي لشركة أبل. وأوصى في الرسالة بوضع (تيم كوك) في منصب المدير التنفيذي خلفًا له، وشكر الجميع وحفزَّهم على إكمال العمل والنجاح.
توفي ستيف جوبز يوم 5 أكتوبر عام 2011 عن عمر ناهز 56 عامًا، بعد استقالته من منصبه بشهر واحد. وأصدرت الشركة بيانًا تعبِّر فيه عن حزنها لفقدان العبقري وصاحب الشغف والطاقة الكبيرة الذي قدَّم أفكارًا واختراعات غير محدودة ساعدت على تطوير الشركة وتطوير الحياة في كل مكان في العالم، وقد اقتصرت مراسم الدفن على العائلة والأشخاص المقربين.
في عام 2013، صدر فيلم عن سيرة ستيف جوبز من إنتاج شركة سوني، كما صدر فيلم آخر عام 2015 من إنتاج شركة يونيفرسال، إضافة إلى مئات الكتب والمقالات والدراسات عن حياة ستيف جوبز الذي ترك أثرًا كبيرًا في عالم التكنولوجيا والأعمال والحياة اليومية لملايين الناس في أنحاء العالم.
وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في تجربة المبتكر والمخترع الأميركي ستيف جوبز الذي صنع نهضة شركة آبل للتكنولوجيا والمعلومات، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
عندما تقرأ عن مقل هؤلاء الأساطير تعرف أن حياتهم كان لها معنى، فالتطور الذي نعيشه تم بفضلهم، كما تدرك أهمية العلم في الإرتقاء بالبشرية لخطوات عملاقة، كما أن مسيرة هؤلاء الأشخاص لم تكن مفروشة بالورود بل اجتازوا وديانا من الصعاب و المشاق و لم يستسلموا في سبيل الوصول لأحلامهم، فعلا شخصيات ملهمة كان لهم أثر في البشرية
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.