حقائق وإحصائيات.. أين نحن من الدول المتقدمة؟

شهدت مصر في السنوات الأخيرة استضافة أكثر من 400 بطولة رياضية دولية غير جماهيرية، مُتكبِّدةً تكلفة ضخمة تشمل الإقامة، وإعاشة الفرق، والسياحة المجانية، والأعباء الأمنية، دون تحقيق أي عائد اقتصادي أو فني ملموس.

في ضوء هذا، تُثار تساؤلات عن مبررات تلك النفقات وعائداتها الحقيقية، خاصةً عندما نقارن واقعنا بواقع الدول المتقدمة في الرياضة والتنمية البشرية، حيث تعد الرياضة هناك وسيلة فعالة للاستثمار والتنمية.

اقرأ أيضًا: أرقام وحقائق من بطولات كأس العالم ج 1

في كثير من الدول التي تُحقق نجاحات رياضية بارزة مثل الولايات المتحدة، الصين، والمملكة المتحدة، تُعد استضافة البطولات جزءًا من استراتيجيات استثمارية مدروسة تضمن تحقيق عوائد اقتصادية ملموسة. على سبيل المثال:

  1. استضافة بريطانيا لأولمبياد لندن 2012: كان تنظيم هذا الحدث العالمي نموذجًا لنجاح التخطيط الاستثماري طويل المدى؛ فقد قُدرت العوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بأكثر من 13 مليار جنيه إسترليني، فيما كان التأثير الأكبر هو بناء بنية تحتية رياضية وسياحية ما زالت تعود بعوائد اقتصادية وسياحية كبيرة على بريطانيا حتى اليوم.

  2. الولايات المتحدة ونهج البطولات الكبرى: تنظم الولايات المتحدة بطولات متعددة على نحو دوري، ولكن كل بطولة تخضع لدراسات جدوى صارمة، مع التركيز على العائد المالي من الحضور الجماهيري، عوائد الرعاية، والإعلانات، والأنشطة السياحية المرتبطة. في بطولة السوبر بول، على سبيل المثال، بلغ حجم العوائد الاقتصادية في نسخة 2020 نحو 572 مليون دولار، وفقًا لتقديرات مجلس السوبر بول للضيافة، مع تأثير سياحي وتنموي بعيد المدى على المدن المضيفة.

  3. الصين ودمج التنمية الرياضية مع التنمية البشرية: تستثمر الصين بكثافة في الرياضة، ليس فقط من أجل استضافة البطولات، ولكن ضمن استراتيجية وطنية تهدف إلى تطوير كفاءة الموارد البشرية وتعزيز الصحة العامة. وفقًا لتقرير اللجنة الوطنية للصحة في الصين، أسهمت هذه الجهود في زيادة مشاركة السكان في الأنشطة الرياضية من 28% إلى 37% بين عامي 2015 و2021، ما يظهر تحسُّنًا في الصحة العامة وقدرات الشباب البدنية.

اقرأ أيضًا: لماذا تسعى الدول لاستضافة البطولات الرياضية؟

الواقع المصري.. بطولات دولية بلا عائد

عندما ننظر إلى استضافة البطولات في مصر، نجد أنها لم تحقق العوائد الاقتصادية أو الاستثمارية المأمولة، بل تكتفي بالدعاية المؤقتة دون أثر طويل المدى. ورغم التكلفة الباهظة، لم تُترجم استضافة البطولات إلى تطور رياضي محلي ملموس؛ إذ احتلت مصر مراتب متأخرة في أولمبياد باريس 2024.

تتراوح تكلفة استضافة البطولة الواحدة بين 50 إلى 100 مليون جنيه مصري، تشمل مصاريف الضيافة، الأمن، والخدمات اللوجستية، وفقًا لتقديرات وزارة الشباب والرياضة، وهذا دون أي مردود استثماري أو تنموي واضح. هذه البطولات، في ظل انعدام حضور جماهيري كبير، لا تجلب استثمارات، ولا تعزز كفاءة اللاعبين، ما يجعل الأعباء غير متناسبة مع المكاسب.

اقرأ أيضًا: إمبراطوريّة كرة القدم

الاستثمار الرياضي الحديث.. نهج النمو المستدام

في الدول المتقدمة رياضيًا، لا تُعد البطولات الدولية نهاية الهدف بل وسيلة لتحقيق نمو مستدام، وتوظيفها بوصفها جزءًا من استراتيجيات الاستثمار الرياضي الحديثة. ويقوم هذا النموذج على المبادئ التالية:

  1. التخطيط الاستثماري طويل المدى: تتبنى الدول المتقدمة مثل اليابان وألمانيا منهجية تربط بين استضافة البطولات وتحقيق نمو مستدام في البنية الرياضية، وجذب السياحة، وتحقيق عائدات دائمة من البنية التحتية الرياضية.

  2. العوائد من حقوق البث والرعاية: تمثل عقود البث والرعاية جزءًا أساسيًا من تمويل البطولات وتحقيق عوائد منها. ففي إسبانيا، تبلغ عوائد البث نحو 40% من إجمالي دخل الدوري الإسباني، ما يسهم في تعزيز الاقتصاد الرياضي عامةً.

  3. تعزيز مشاركة الشباب في الرياضة: تولي الحكومات في كندا وهولندا اهتمامًا بتشجيع الشباب على الرياضة كونها استثمارًا في صحة وتنمية الإنسان؛ ما ينعكس على المدى الطويل في شكل تحسين صحة السكان، وتخفيض نفقات العلاج الطبي المرتبطة بالأمراض الناتجة عن قلة النشاط البدني.

اقرأ أيضًا: تاريخ كأس العالم للأندية.. تعرف الآن

نحو مساءلة عادلة ووضع معايير للاستضافة

في ضوء ما سبق، يتطلب الأمر إجراء تحقيق شفاف مع الاتحادات الرياضية التي أقامت هذه البطولات، لمعرفة أسباب عدم تحقيق عوائد ملموسة، وإعادة النظر في سياسة استضافة البطولات وفقًا لمعايير جدوى اقتصادية صارمة. فالتنمية الرياضية يجب أن تكون استراتيجية متكاملة تحقق استفادة للمجتمع، وتدعم الشباب المصريين، بدلًا من إنفاق ميزانية الدولة على بطولات لا تحقق أهدافًا اقتصادية ولا رياضية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة