مع أن الحرب العالمية الثانية كانت ممتلئة بالخسائر والأحداث الدامية منذ بدايتها عام 1939 حتى نهايتها عام 1945؛ فإن حصار مدينة لينينجراد الروسية كان أحد الأحداث الأكثر مأساوية في التاريخ الحديث الذي وصل معه سكان المدينة إلى الموت نتيجة البرد والجوع والمرض، وتخطى الأمر الحدود الطبيعية حتى وصل إلى أكل لحوم البشر من أجل البقاء.
وفي هذا المقال نعود بك إلى عام 1941 حينما بدأ حصار القوات الألمانية لمدينة لينينجراد السوفيتية لنتعرف على أهم أحداث وصور الحصار المرعب من البداية إلى النهاية.
بداية حصار لينينجراد
في عام 1941 وضمن أحداث الحرب العالمية الثانية أطلق هتلر عمليته العسكرية الشهيرة (بربروسا) التي استهدفت الهجوم على الاتحاد السوفيتي وتضييق الخناق على مدينة لينينجراد، وهو ما استغرق نحو شهرين ونصف للوصول إلى أبواب المدينة.
واستعانت القوات الألمانية بحلفائها من القوات الفنلندية، فكانت العملية تستهدف عزل مدينة لينينجراد تمامًا عن الاتحاد السوفيتي، لذا حاصرت القوات الفنلندية المدينة من الشمال، فأصبحت مدينة لينينجراد بين القوات الألمانية والفنلندية وفقدت قدرتها على الاتصال ببحر البلطيق.
كذلك مع سيطرة القوات الألمانية على قلعة شيلسلبرج الواقعة على نهر نيفا، فقد أصبح حصار لينينجراد كاملًا، فقد انقطعت جميع الطرق البرية وخطوط الاتصال التي تصل لينينجراد بباقي الاتحاد السوفيتي، وبذلك أغلقت القوات الألمانية خطوط السكك الحديد وبدأت في تكثيف الغارات الجوية لقصف الأمكنة الحيوية بالمدينة، ما خلف خسائر رهيبة، فكانت ألمانيا تستهدف الحصول على استسلام سريع من المقاومة داخل مدينة لينينجراد.
وتقول الأرقام إن القوات الألمانية كانت قد استخدمت نحو 3295 قنبلة متفجرة، إضافة إلى 100 ألف قنبلة حارقة و30 ألف قذيفة مدفعية في مدة لا تتخطى ثلاثة أشهر من أجل إخضاع سكان المدينة، وهو ما أدى إلى دمار شامل لمحطات توليد الكهرباء ومعامل الألبان ومصانع الزبدة ومستودعات التخزين بالمدينة.
اقرأ أيضًا: عملية دراجون .. كيف غز الحلفاء فرنسا وأنهوا حلم القوات النازية
ماذا يحدث داخل مدينة لينينغراد؟
مع حصار مدينة لينينجراد الطويل بين القوات الفنلندية في الشمال والقوات الألمانية في الجنوب، ومع قلة المخزون الغذائي الذي لا يكفي أكثر من شهر واحد بدأت السلطات الروسية في المدينة في توزيع الخبز عن طريق البطاقات التي تضمن حصول الفرد على حصة واحدة في اليوم، فكان العمال يحصلون على 250 غرامًا فقط من الخبز، في حين يحصل غير العمال والأطفال على 125 جم فقط من الخبز.
وكان الأمر أسوأ من ذلك، فكان الخبز مصنوعًا من 40% فقط من الدقيق، في حين كان الباقي خلطة من نشارة الخشب والشعير، وهو ما أدى إلى موت الآلاف والآلاف من سكان مدينة لينينجراد بسبب الجوع في مدة قصيرة بين عام 1941 وعام 1942.
لم يكن الجوع فقط هو سبب حالات المرض والموت التي عاناها سكان المدينة، وإنما كان البرد أيضًا وحشًا يلتهم الأرواح في سنوات الحصار، لا سيما في الشتاء عندما كانت تنخفض درجة الحرارة إلى أقل من 38 درجة تحت الصفر.
ومع انعدام وسائل للتدفئة فكان سكان المدينة يلجؤون أحيانًا إلى إشعال الحرائق في المباني من أجل الحصول على التدفئة، إضافة إلى لجوء السكان إلى تناول القطط والكلاب الموجودة بالمدينة، حتى وصل الوضع إلى الخروج عن الطبيعة البشرية، فقد سجلت السلطات أكثر من 2000 حالة اعتقال لأشخاص أكلوا لحوم البشر في محاولة للنجاة داخل حصار لينينجراد.
اقرأ أيضًا: معاركة كيرين وغزو يوغسلافيا .. محطات هامة في مسار الحرب العالمية الثانية
ممر الحياة والموت في لينينغراد
ومع الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات داخل مدينة لينينغراد في أثناء الحصار كانت هناك محاولات كبيرة للجيش السوفيتي في الوصول إلى المدينة أو خلق ثغرة تسمح بمرور الإمدادات والمواد الغذائية، وهو ما لاح في الأفق عن طريق بحيرة (لادوغا) التي تتجمد في الشتاء ويصبح جليدها طريقا لعبور الإمدادات أو هروب بعض المدنيين؛ لذا سمي (طريق الحياة المتجمد) أو (ممر الحياة).
لكنه أيضًا كان سببًا في موت كثيرين، لأن طريق البحيرة المتجمدة كان يمتد أكثر من 160 كيلومترا، لذا كان هدفا سهلا أمام الطائرات الألمانية التي تقصفه باستمرار، إضافة إلى انهيار الطريق في أوقات عدة نتيجة ثقل العربات والمركبات التي تعبره من أجل نقل الأفراد أو المواد الغذائية والإمدادات، لذا كانت نسبة نجاح الطريق قليلة، فقد كان سببًا في موت الآلاف ليصبح الطريق بابًا إلى النجاة والحياة وإلى الموت والهلاك في وقت واحد.
اقرأ أيضًا: قصة يوم أكل فيه الفرنسيون القطط والكلاب
انتهاء حصار لينينغراد
مع الجهود المتواصلة للجيش الأحمر السوفيتي من أجل تحرير مدينة لينينغراد أطلق هجومًا كبيرًا على القوات الألمانية في 14 يناير عام 1944، وهو الهجوم الذي تبعته مجموعة من العمليات المستمرة من أجل فتح معبر بري إلى داخل مدينة لينينغراد.
وهو ما حدث فعلًا في الأيام التالية، حتى استطاعت القوات السوفيتية الدخول إلى المدينة، وإجبار القوات الألمانية على التراجع والإعلان عن انتصار القوات الروسية في لينينغراد، وتحرير المدينة رسميًّا يوم 27 يناير عام 1944، وانتهاء حصار لينينغراد بعد 842 يومًا من القصف والجوع والبرد الذي أدى إلى موت ما يقرب من مليون قتيل وهروب نحو مليون مواطن من سكان لينينجراد، حتى إن عدد السكان بعد الحصار وصل إلى 600 ألف شخص بعد أن كان 2 ونصف مليون نسمة قبل الحصار.
وفي نهاية هذا المقال عن حصار مدينة لينينغراد السوفيتية في أثناء الحرب العالمية الثانية على أيدي القوات الألمانية والقوات الفنلندية، فإن الأرقام والأحداث والنتائج تؤكد الوجه البشع للحروب الذي يمكن أن تتحول معه الأمور إلى سقوط القيم الإنسانية.
نتمنى أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.