حسن ونعيمة.. 65 عامًا على أول أفلام سعاد حسني

تاريخ العرض الأول: 18 أكتوبر 1959، كان ينبغي أن تحتفي الأوساط السينمائية تشرين أول/ أكتوبر الماضي بمرور 65 عامًا على العرض الأول لفيلم "حسن ونعيمة".

ذلك الفيلم الفريد الذي جاء لنا بمولد هذه النجمة الاستثنائية في تاريخ السينما العربية الذي اكتملت له كل العناصر، وكأن الحشد جاء ليخبرنا أن هناك نجمة تولد لن نر مثل حضورها على مر العقود التالية.

نجمة جسَّدت الضوء بعينيها، والأنوثة بقوامها، والحضور الطاغي بكل شاردة وواردة عبَّرت عنها بنبرة صوتها ورمش عينيها، وفرط إحساسها وصداقتها للعدسة واختراقها للقلوب!

قد يعجبك أيضًا أفضل مائة فيلم في السينما المصرية (16).. قراءة في فيلم الزوجة الثانية

مخرج التشويق

في البداية أعترف بوجود صعوبة شديدة في تحديد الفواصل بين نوعية فيلم وآخر، لا أدري كيف أضع الخط الهمايوني بين فيلم غنائي وآخر رومانسي أو اجتماعي، أو حتى كوميدي على الرغم من وضوحه.

وقد يكون الاستثناء الوحيد هو فيلم الحركة والتشويق كما هو الحال في أفلام مخرجنا الكبير كمال الشيخ، الذي سألته ذات يوم: ما الذي جعل الناس وفي المقدمة منهم النقاد يصفونك بمخرج الإثارة والتشويق؟

فقال في تواضع وإن كانت إجابته جاءت شديدة الدقة: "إن الاختلاف عندي هو طريقة حكي القصة".. فقط، ثم أضاف حروفًا قليلة فاصلة: "قد أقدِّم حدثًا على آخر فيصنع الغموض".

وطبقا لرؤية كمال الشيخ أن الفيلم يمكن أن يكون رومانسيًّا ومشوقًا، أو أكشن واجتماعيًّا، أو جريمة وضاحكًا (فيلم الجريمة الضاحكة نموذجًا).

قد يعجبك أيضًا في ذكرى وفاتها.. السيرة الذاتية لسندريلا الشاشة سعاد حسني

هكذا فهمت السينما من المخرج والمونتير الراحل كمال الشيخ

وإذا طبقنا تلك النظرية البسيطة في عمقها على الفيلم الرائع الذي نحن بصدده؛ فكيف لا نعد فيلم المتميز هنري بركات فيلمًا رومانسيًّا، على الرغم من وجود بطل جديد كان يشق طريقه في ثقة وثبات، مطربًا واعدًا ومنافسًا للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في أوج نجوميته وصعوده ممتطيًا صاروخ الشهرة.

حتى وإن كان كاتب أغاني الفيلم هو الشاعر الرقيق مرسي جميل عزيز، وملحن أغاني الفيلم هو محمد الموجي، وواضع الموسيقى التصويرية ومنتجه هو موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وكاتب القصة، مكتشف السندريلا هو الفنان والكاتب عبد الرحمن الخميسي.

أي عظمة في هذا الكاست الفريد، كيف لا نعد فيلم الإطلالة الأولى للسندريلا "نعيمة" ببراءة منقطعة النظير، وعين غير قادرة على النظر في وجه البطل "حسن" ورموش "جتالة ـ قاتلة ـ وساحرة يا عين"، وهي تطل علينا بقوام فتاة تعيش الحب أول مرة، أمام صوت رجولي شاب لم تلوثه ضوضاء المدينة ولا الغناء لوش الصبح في القرى والنجوع!

كيف لا نعد "حسن ونعيمة" في الصف الأول من أفلام الرومانسية المصرية، كيف لا وهو يرسم بدقة ملامح الريف المصري؟ 

 يضيف إلى قيمته أنه شهد البطولة الأولى كما أشرنا لنجمين من كبار نجوم الفن المصري، السندريلا سعاد حسني، والمطرب الفنان محرم فؤاد.

"حسن ونعيمة" هو فيلم مصري خالص وقصة حب من أعماق الريف المصري في دلتا مصر، وهي فئة لم تعبر عنها السينما على النحو الكافي باستثناء علامات مضيئة في تاريخها مثل: فيلم بركات "الحرام"، وصلاح أبو سيف "الزوجة الثانية"، ويوسف شاهين: "الأرض"، وبينهما مسافات.

جاء فيلم "حسن ونعيمة" من إنتاج المرحلة الذهبية الكلاسيكية للسينما المصرية الناضجة سنة 1959، وهو من إنتاج شركة أفلام محمد عبد الوهاب.

قدَّم فيه عبد الرحمن الخميسى إبداعًا حقيقيًّا متوسمًا البشرى في بطولة الفيلم مع الوجه الجديد محرم فؤاد والوجه الجديد سعاد حسنى، وتخطت سعاد حدود النجاح المتوقع، وكانت تنهيدتها متكئة على شباك الدار -المنزل- تعبر عن مفهوم الحب لدى فتاة تعيش تجربة لا تتخيلها من قبل!

قد يعجبك أيضًا أفضل مائة فيلم في السينما المصرية (18).. قراءة في فيلم القاهرة 30

القصة الحقيقية

جاءت قصة الفيلم مأخودة عن واقعة حقيقية لأحد المطربين الشعبيين الذين ذاع صيتهم وانتشر في القرى المصرية.

ورغم أن القصة الحقيقية تؤكد مقتل المطرب بسبب حبه فتاة في قرية مجاورة لقريته بعد أن اعترض أحد رجال القرية القاسية قلوبهم على زواج نعيمة من المطرب "الصييت"، وتقول الأسطورة إنه ألقيت جثته في الترعة حتى طفت على وش الماء؛ وانكشفت الجريمة وهدَّدت القريتين في سلامهما، وهزت الدلتا في مصر.

بالمناسبة منزل حسن المغنواتي لا يزال موجودًا في القرية واسمها "الدراكسة"، وأفادت القصة الشعبية أن حسن المغنواتي لم يتزوج نعيمة، ولكن بسيناريو عبد الرحمن الخميسي ورؤية بركات تم تعديل الأحداث على النحو الذي رأيناه.

قد يعجبك أيضًا شقيقة سعاد حسني تكشف حقيقة زواجها من عبد الحليم حافظ

قصة الفيلم

أحداث الفيلم تكشف تفاصيل أكثر: نعيمة ابنة الحاج متولي، الذي يسعى لتملك مزيد من الأرض والمال، ونجده يطمع عطوة ليتزوجها لجمالها وغناها لكنهما رفضاه من أجل حبها لـ حسن المغنواتي الفقير، وتوافق نعيمة على الهرب والزواج من حسن لمزيد من التشويق.

قد يعجبك أيضًا نجل شقيق عبد الحليم حافظ يستنكر زواج العندليب من سعاد حسني

محرم وسعاد

كانت المفاجأة المدوية أن حقق بطلا الفيلم الوجهان الجديدان محرم وسعاد نجاحًا مدويًّا في التعامل مع كاميرا السينما أول مرة، ولفتا الأنظار إليهما.

والطريف أن محرم فؤاد لم يكن هو المرشح للدور، بل كانت البطولة محجوزة لمطرب آخر هو ماهر العطار الذي كان قد حقق نجاحًا كبيرًا بأغانيه، حتى إنه بدأ يتردد اسمه كمنافس للعندليب.

ولكنه رفض الدور بسبب ظهوره بالجلباب على الرغم من أن الموسيقار محمد عبد الوهاب قد سبق وأن فعلها في تصويره لأغنية "القمح الليلة".

رد العطار على صناع الفيلم بقوله: إزاي أكون طالب جامعة وأرتدي جلابية، ولكنه ندم كثيرًا بعد نجاح الفيلم وخاصةً بعدما استمع إلى الألحان التي صنعها الموجي لمحرم فؤاد في الفيلم.

يتفوق هنري بركات الشريك في كتابة السيناريو والحوار وفي توجيه ممثليه ومعظمهم نجوم كبار لا يحتاجون النصح -بصفة خاصة حسن البارودي ومحمد توفيق وحسين عسر وعبد العليم خطاب ولطفي الحكيم (العمدة)- في أغلب المشاهد التي أدوها بإتقان بالغ الجودة.

كما نجح في صنع كادرات عالمية، سواء داخل البلاتوه (داخلي) في تكدس المجاميع حول المطرب محرم فؤاد والراقصة ببا عز الدين، أو مشاهد القرية (خارجي)، ساعده في ذلك مدير تصوير صاحب خبرة واحترافية هو ألفيس أورفانيللي.

قد يعجبك أيضًا صياد استعراض فيلم "صغيرة على الحب" يتحدث عن السندريلا سعاد حسني

تراجع سعاد

تستحق سعاد حسني العلامة الكاملة في تجسيد شخصية الفتاة الرومانسية الحالمة بفارس الأحلام، على الرغم من أنها قد تبدو شخصية نمطية أدتها كل نجمات "الفيديت"؛ لكن السندريلا استطاعت لفت الانتباه إليها بشدة بسحرها الخاص وإتقانها النفاذ إلى روح الشخصية وسرقة الكاميرا وكأنها وُلدت ممثلة.

في هذا التوقيت كانت قد تعاقدت سعاد حسني على تقديم دور صديقة ماجدة في فيلم المراهقات.

ولكن بمجرد عرض دور بطولة فيلم حسن ونعيمة عليها اعتذرت عن المراهقات فورًا لتلحق بفرصة أول بطولة مطلقة لها، التي رسمت لها عن حق طريق النجومية، ولا نغفل أداء المطرب محرم فؤاد ونجاحه في تقديم دور يظل من علامات مسيرته الفنية.

قد يعجبك أيضًا البطاقات التعريفية لنجوم الزمن الجميل.. تعرف إليها

كواليس وطرائف

من طرائف وكواليس الفيلم التي حكاها لي المطرب الجميل محرم فؤاد بنفسه: أن المخرج هنري بركات دخل الاستوديو ولم يجده، فاضطر لتوجيه نداء عبر الصحف إلى محرم فؤاد..

ذلك هو عنوان النداء الذي نشره المخرج بركات في الصحف مضطرًّا حتى يستطيع الوصول إليه، بعدما اختفى محرم في منتصف التصوير ولم يجدوه، حيث سافر إلى الإسكندرية دون أن يخبر أحدًا بعد تأجيل التصوير لتغيير الديكور.

وأراد المخرج أن يكمل التصوير ولم يجد البطل، فلجأ لنشر نداء له في إحدى الصفحات الفنية، حتى قرأه فعلًا محرم وعاد إلى الاستوديو فورًا ليستكمل التصوير.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة