الفصل الأول: البداية في لهيب يونيو
كانت ولادة حسناء في يونيو، في قلب صيف لاهب، حين يختنق الهواء بحرارة الأيام، ويظل الليل مستسلمًا لسطوة النهار. وُلدت في غياب أبيها الذي رحل عن الدنيا قبل أن يدرك طيفها، وكان هذا الرحيل بمنزلة بداية حكاية أغمق من أن تنكشف بسهولة.
كبرت حسناء في كنف أمها، التي كانت تملك من العطف ما يجعل البيت يتنفس من جديد كلما مرَّت اللحظة بأوجاعها. كانت أمها هي العالم الذي تدور فيه حسناء، كانت هي الوحيدة التي تستطيع أن تلمس جروحها، على الرغم من صمت تلك الجروح الذي لم يُسمع يومًا.
كانت حسناء جميلة. بيضاء كزهرة تتفتح في صباحٍ غير متوقع. كانت عيونها السوداء كالليل، شعرها أسود غارق في عمق الظلام، ينساب على كتفيها كأمواج البحر الهادئة. كانت حديث الحي، لا تخرج إلا لتعود إليها أنظار الشباب جميعًا، وكانوا يعشقون ملامحها دون أن يعوا ما يكمن في قلبها.
اقرأ أيضًا قصة قصيرة عن نعمة الماء
الفصل الثاني: الحب المفقود
ثم جاء أحمد، ابن خالتها. أحبها من صغره، في حين كانت هي لا تعرف عنه سوى أنه "أحمد"، هذا الشاب الذي يكبرها بنحو 11 عامًا الذي يعيش في محافظة بعيدة، بعيدًا عن عالمها الصغير. كان يراها من بعيد، يحلم بها في الليل ويصحو على ذكرها في النهار، لكنه كان يظل في مكانه، يسكن قلبه الحب الصامت.
كبرت حسناء ومرت سنوات دون أن تلتفت إلى هذا الحب الذي يتساقط عليها كأوراق شجرة كبيرة. وعندما جاء اليوم الذي اختار فيه أحمد أن يكون شريكًا لحياتها، لم تكن هي سوى فتاة صغيرة في أعين الآخرين، تظن أن الزواج هو الطريق الذي ينتهي فيه كل شيء. لم تكن تدرك أن هذا الزواج هو بداية عاصفة ستغير كل تفاصيل حياتها.
اقرأ أيضًا تحليل تفاصيل حلقات قصة الطفل والكهف
الفصل الثالث: زواجٌ من الخوف
انتقلت حسناء إلى منزل زوجها، ليبدأ فصل جديد من حياتها، لكن هذه المرة كانت الصدمة أكبر. كانت الحياة مع أحمد تكتسي بكثير من الآلام التي لا تُرى. كانت حماتها تسيطر على كل شيء، حياتها، أفكارها، قراراتها. كانت تشعر وكأنها محاصرة داخل جدران منزل ضيِّق لا يرحب بمشاعرها ولا بجراحها.
كانت تذهب إلى المستشفى لرعاية طفلتها المريضة، التي وُلدت مصابة بضمور في المخ. وبعد أن ولدت طفلة أخرى بالمرض نفسه، بدأت تدرك أن زواج الأقارب قد أخذ منها أكثر مما تستطيع تحمُّله. كانت الأيام تتساقط عليها كحصى، وحين تنظر إلى زوجها، تجد أنه غير قادر على مساعدتها في شيء. لم يكن له شخصية واضحة، وكانت والدته، التي تسكن معهم، هي من يدير كل شيء، حتى ما يتعلق بحياتهم الخاصة.
اقرأ أيضًا قصة "الوزة الذهبية".. قصص أطفال
الفصل الرابع: الغرق في العجز
مرَّت الأيام، وكان أحمد يسافر، وتبقى هي مع حماتها، تتنقل من معركة إلى أخرى. كانت نظرات الناس تزيد معاناتها. وحين وُلدت الطفلة الثانية، كانت الصدمة أقوى. هذه المرة، كان قلبها يردد السؤال نفسه الذي لا يمل من العودة إليها: هل نحن محكومٌ علينا بالفشل؟
ورغم كل ما عاشته، كانت حسناء تحاول التمسك بالحلم، لكن ذلك الحلم كان ينهار أمام عجز زوجها الجنسي. أحمد لم يكن قادرًا على أن يملأ هذا الفراغ الذي خلفه، كان يعيش مع نفسه في عزلةٍ تامة، لا يعرف كيف يُعبر عن مشاعره، ولا كيف يمد يده إليها حين تحتاجه. كان ضعيفًا أمام والدته، ضعيفًا في مواجهة العالم، وكان هذا الضعف يُسحب معها في كل خطوة.
اقرأ أيضًا قصة "الأصدقاء الأربعة والبيت المهجور".. قصة خيالية
الفصل الخامس: قرار الرحيل
شهور طويلة مرَّت، وحياة حسناء كانت على شفا الانهيار. طفلتان مريضتان، زوج عاجز، وحياة كلها آلام لم تعد تطيقها. وفي النهاية، وجدت نفسها أمام نقطة فارقة في حياتها، فقد قررت أن تضع حدًّا لهذا العبث. طلبت الطلاق، وهي في التاسعة عشرة من عمرها. كانت تعلم أن القرار سيكون مؤلمًا، لكن الألم في تلك اللحظة كان هو أهون الشرَّين.
وكان الطلاق بمنزلة النهاية التي بدأت بها الحياة مجددًا. كانت تخرج من هذه التجربة مكسورة الجناح، لكنها لم تخرج بلا أمل. هي الآن وحدها، وسط عالمٍ جديد.
اقرأ أيضًا 4 قصص أطفال قصيرة قبل النوم
الفصل السادس: الزواج الثاني، العذاب المستمر
بعد سنواتٍ من الطلاق، قررت حسناء أن تبدأ حياة جديدة، ولكن الحياة، كما كانت دومًا، كانت تبتسم بخبث. تزوجت رجلًا آخر، كان أقل منها بكثير. كان بخيلًا، لا يعرف معنى الحب، وكان يعاملها كأنها عبء ثقيل على قلبه. ومع مرور الأيام، اكتشفت أنه يعاني من العقم، وكان يعجز عن تلبية أبسط احتياجاتها الزوجية. كان يدير العلاقة بعقلية متجمدة، لا يستطيع أن يفهم معنى العطاء.
كانت الأيام تمر، وكلما حاولت حسناء أن تجد متنفسًا في هذا الزواج، كان يعود إليها الجفاف. كان عجزه الجنسي يعمق الجرح الذي يرفض أن يشفى، وعاشت معه 12 عامًا ممتلئة بالحزن.
اقرأ أيضًا قصة عن الأخلاق والفضائل.. قصص قصيرة
الفصل السابع: النهاية... أو البداية الجديدة
وفي النهاية، انفصلت عن زوجها الثاني. كانت قد عاشت سنواتٍ طويلة من التضحيات، لكنها أدركت أن الرحيل هو السبيل الوحيد للنجاة.
لكن حسناء، مع كل ما مرَّت به، لم تفقد قدرتها على الحلم. كانت تظن أن السعادة قد هربت منها إلى الأبد، لكن في قلبها كان هناك دائمًا مكان للأمل. لم تجد "فارس أحلامها" بعد، ولكنها تعلم أن الحياة لا تتوقف عن منح الفرص، وأن كل لحظة جديدة هي بداية قد تأتي بما لم يكن في الحسبان.
احسنت
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.