حريّة الإرادة أم النّتائج الحتميّة

ينشأ عن هذا السّؤال خلاف بين الفلاسفة والفيزيائيين، ولكن لنتحدّث في مثل هذا الأمر يجب أن نعرف ما هي الإرادة في البداية؟ وكيف تكون حرّة، وكيف لا تكون؟

الإرادة كما عبّر عنها الفيلسوف الألمانيّ الشّهير (فريدريك نيتشا) في كتابه "غسق الأوثان"، هي تلك النّتيجة الحتميّة لاتّحاد فكرة مع رغبة،

فإذا ما اتفقنا على مثل هذا التّعريف وجب أن نذكر بعض الأمثلة لتوضيح الأمور، لنعبّر عن الإرادة بإرادتك أنت في أن تلعب كرة، إرادتك تلك تتكوّن من فكرة أن تلعب كرة ورغبة ما تدفعك لمثل هذا، وهذان الاثنان معًا يمثّلان إرادتك في أن تلعب الكرة.

إذن كيف تكون الإرادة حرّة؟ حال كونها نتيجة غير حتميّة، بتعبير آخر أن تكون الإرادة تلك ليست نابعة من مؤثر خارجيّ يحتّم ردّ فعل محدّد، 

كمثال بسيط: صدمت سيّارة أحدهم على الطّريق، فحال صراخه لا ينبع هذا الصّراخ عن إرادة حرّة، فهو نتيجة حتميّة لمثل تلك الحادثة، أي تنجم عن مؤثّر خارجيّ بشكل لا يدع مجالًا لشيء غيرها كما سبق ذكره.

أصحاب القول بحريّة الإرادة أغلبهم تبقى حججهم على الشّعور، أنا اشعر أنّي حرّ، وهذا يعني ببساطة أنّ لي تلك الحريّة في أن أختار "حريّة الإرادة"،

ومثل تلك الحجج ضعيفة أمام الحجج الّتي يقدّمها الحتميّون.

لننتقل إذن إلى الطّرف الآخر النّقيض، وهم القائلون بأنّ حريّة الإرادة ما هي إلّا وهم ما هي إلّا نتيجة حتميّة من مؤثّر خارجيّ.

فالأمر لهم أنّ الإنسان أشبه بـ(روبوت) مبرمج على أفعاله، فنحن نتعرّض إلى أشكال مختلفة من التّربية، وكنتيجة حتميّة للتّربية تتكوّن شخصيّتك، فأنت لا تولد واعٍ بما يدور حولك بل تتشكّل حسب ما ترعرعت عليه.

فإذا ما كانت التّربية شديدة وقاسية ستولد ردّ فعل محدّد يتكرّر بكثرة، فيتطبع به الفرد، وردّ الفعل ذاك يكون سببه حدّة الطّباع. 

ومع مرور الوقت نترعرع في بيئة اجتماعيّة تؤثّر علينا بشتّى المؤثّرات، أصدقاؤنا في كفّة نتطبّع بهم، المخّ البشريّ ماكينة بارعة في أن تتكيّف مهما تغيّرت الظّروف، فلذلك قد تتغيّر شخصيّتك بمرور الوقت حال تعرّضك لمؤثّرات جديدة بشكل متكرّر، الأمثلة لا تحصر.

أحد المعضلات الشّهيرة في هذا الموضوع هي معضلة الزّومبي، ببساطة لنتخيّل (روبوت) مبرمج على ردود محدّدة أن يجيب على الأسئلة كما نجيب نحن البشر، فمثلًا إذا ما سُئل وهو واعٍ لما يقوم به يجيبك بأجل، وهكذا مع زيادة الأمثلة سيتكيّف في النّهاية على الإجابة، كما نجيب نحن البشر، وهنا نطرح تساؤلات، كيف نعرف أنّنا لسنا (روبوتات) تكيّفنا عبر العديد من الأمثلة على ردود محدّدة؟

لندخل السّببيّة في المعادلة، أحد أشهر الحجج الّتي يذكرها الحتميّون (دانيال دينيت) كمثال، إذا ما استطعت أن تفسّر ما تقوم به في شكل أسباب ونتائج، تتلاشى حريّة الإرادة فهي ليست إلّا نقص معرفة بالأسباب والدّوافع، فإذا ما فسّرنا اختيارك لشيء ما بشكل نتيجة، أي كما ذكرنا سابقًا حادثة تسبّبت في صراخ، تتلاشى حريّة الإرادة حال معرفتنا بالأسباب، وإذا ما طبقنا ذات المبدأ تتلاشى حريّة الإرادة تدريجيًا.

ماذا عن علم الأعصاب؟ ما الّذي يخبرنا به؟

يخبرنا علم الأعصاب بأنّ كلّ فعل قبل أن نقوم به ترسل إشارة عصبيّة من الأعصاب إلى الأماكن المخصّصة للاستجابة قبل حتّى أن نفكّر فيها يظهر الاختيار، ففي أحد التّجارب الشّهيرة يوضع الفرد على جهاز لقراءة الإشارات العصبيّة، وأمامه زر أحمر يطلب منه أن يقوم بالضّغط عليه حينما يريد،

أوّل خمسة عشر مرّة مرّ الأمر بسلام حتّى حلّت الآلة الإشارة المسؤولة عن الاختيار، فقبل أن يقوم الفرد بتحريك يديه مجرّد أن تظهر الإشارة يضاء الزّر قبل أن يحرّك يده، فقط حين يفكّر في أن يضغطه، حتّى لقد ظهرت الإشارة الكهربائيّة قبل أن يفكّر في الأمر، فهل هو الّذي اختار أن يضغط على الزّر أم هو مجرّد مؤدٍّ للفعل؟

كاتب مصري في العقد الثاني من حياته مهتم بدراسة الفلسفة والفيزياء النظرية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

نبذة عن الكاتب

كاتب مصري في العقد الثاني من حياته مهتم بدراسة الفلسفة والفيزياء النظرية.

مقالات الكاتب الأكثر شعبية
بقلم عبدالرحمن حجازي