"حروف لم تكتمل".. قصة قصيرة

في أحد الأحياء الهادئة، كان "عادل" يعيش حياة رتيبة مع زوجته "هدى".

كانت حياته تنقسم إلى روتين يومي لا يتغير: الذهاب إلى عمله في الصباح ثم العودة إلى البيت في المساء حيث يجد زوجته في انتظاره، يتناولان العشاء، يتبادلان بعض الكلمات البسيطة، ثم يذهب كل منهما إلى نومه. كانت هدى امرأة طيبة، لكنهم كانا يعيشان معًا كغرباء، لا يربطهما سوى الالتزامات العائلية.

كان عادل يشعر دائمًا بفراغ داخلي، ذلك الفراغ الذي لا يستطيع أن يملأه شيء. كان يبحث عن معنى للحياة خارج الروتين الممل، وحين أرخى قلبه أمام زوجته، كانت تبتسم دون اهتمام، ولا تبدي أي رغبة في تعميق علاقتها به. ومرَّت الأيام، وكلما كان يشعر بالوحدة، كان يهرب إلى الإنترنت ليبحث عن كلمات تشعره بالحياة.

وفي أحد الأيام، وفي أثناء تصفحه للإنترنت، وقع عادل على حساب امرأة تُدعى "سارة". كانت سارة كاتبة في إحدى المجلات الأدبية على الإنترنت، وكانت تنشر قصصًا قصيرة ونصوصًا أدبية جميلة. كانت تكتب بلغة مليئة بالإحساس، وكأن كل كلمة تخرج منها تحمل معها جزءًا من قلبها. كانت صورها قليلة على حسابها، لكن كل صورة كانت مليئة بالغموض والجمال. وكان عادل، على الرغم من كونه متزوجًا، يجد نفسه يقرأ كل مقال وكل نص تكتبه.

بدأ يتابع سارة باستمرار، يُعجب بكلماتها التي كانت تلامس أعماق قلبه، ويشعر في كل مرة يقرأ فيها شيئًا جديدًا وكأن قلبه ينبض أكثر. كانت قصصها عن الحب والفقد، عن الألم والتجدد، تثير في نفسه مشاعر لم يشعر بها منذ سنوات. شيئًا فشيئًا، أصبح يعتقد أنه يعرفها أكثر من أي شخص آخر. كان يراها في كل نص، وفي كل كلمة تكتبها.

قرر ذات يوم، وبعد أن جمع شجاعته، أن يبعث لها برسالة. كان يعلم أن ذلك قد يبدو غير لائق، لكنه لم يكن يستطيع أن يقاوم. فتح نافذة الرسائل الخاصة على موقعها، وكتب كلمات تحمل كل ما يشعر به:

"سارة، لا أعرف إن كنتِ ستقرئين هذه الرسالة أو حتى ستلاحظينها، ولكنني أردت أن أقول لك شيئًا. لا أعرف كيف أصف ما شعرت به عندما قرأت نصوصك أول مرة، لكنني شعرت وكأنكِ تكتبين لي. لقد رأيت في كلماتك شيئًا كان مفقودًا في حياتي. لطالما شعرت بالوحدة، وعندما قرأت كتاباتك، شعرت بأنكِ تفهمينني. لم أكن أبحث عن هذا، لكن هنا أنا، أكتب لك لأخبرك بأنني أُعجب بك، لا بكلماتك فحسب، بل بكِ، بشخصكِ".

بعد دقائق من إرسال الرسالة، شعر عادل بالقلق. ماذا لو كانت هذه الرسالة غريبة؟ ماذا لو اعتبرت كلامه مجرد هراء؟ لكنه لم يستطع أن يتراجع.

مر يومان قبل أن يصله الرد. وعندما قرأ الرسالة، كان يشعر بشيء من الترقب والقلق في آن واحد:

"مرحبًا عادل، شكرًا على كلماتك. ولكن أود أن أخبرك بشيء. أنا لا أكتب لأجذب الناس، ولا أبحث عن إعجابهم. كل ما أكتبه هو جزء مني، وأنا أكتب لأني بحاجة لذلك. صحيح أنني أسعد عندما يصل ما أكتب إلى قلوب الناس، لكنني لا أسمح لنفسي أن أتورط في مشاعر أو علاقات لا أريدها. أقدر اهتمامك، لكنني لا أبحث عن أي نوع من الارتباط في هذه المرحلة من حياتي".

قرأ عادل الرسالة مرات عدة. كان رد سارة باردًا، لم يعبر عن أي اهتمام بما قاله، ولم يبدُ أنها تعده أكثر من مجرد قارئ آخر. شعور بالخذلان اجتاح إليه. كان قد وضع كل مشاعره في تلك الرسالة، وكل أمله في كلمات سارة، لكن الرد كان قاسيًا، كالحائط الذي يرتطم به من لا يستطيع الوصول إليه.

شعر عادل بشيء من العجز، لكنه لم يستطع أن يتوقف عن التفكير في سارة. كان كل مرة يقرأ فيها نصًا جديدًا لها تثير بداخله المشاعر نفسها التي شعر بها أول مرة. كان يعتقد أنه يمكن أن يتجاوز هذا، لكن قلبه كان يرفض أن ينساها. كانت قد أصبحت جزءًا من تفكيره اليومي، حتى أكثر من زوجته.

بدأ عادل يعيد حساباته. كان يعيش مع امرأة بسيطة طيبة، لكنها لم تكن تمثل له شيئًا حقيقيًا في قلبه. في حين كانت سارة مع بعدها، تملأ قلبه بأحاسيس لم يعرفها من قبل. لكنه كان يعرف في أعماقه أنه لا يمكنه أن يستمر في هذا؛ لأنه ببساطة لا يستطيع أن يعيش بين الأمل المستحيل وبين الالتزام بالواقع.

في النهاية، قرر أن يتوقف عن متابعة سارة. كان عليه أن يواجه نفسه، ويعيد بناء علاقته بزوجته، إن كان يوجد أمل في تجديد تلك العلاقة. لكنه لم يستطع نسيان سارة، وظل يراها في كل كلمة تكتبها، في كل صورة لها. كانت حروفها، على الرغم من أنها لم تكن تعيره أي اهتمام، قد دخلت إلى قلبه وأصبحت جزءًا من حياته.

ظل عادل يعيش في صراع داخلي. كان يحاول أن يملأ الفراغ في حياته، لكنه لم يستطع أن ينسى حروف سارة التي كانت تطارده في كل لحظة. وكلما حاول نسيانها، كان قلبه يتساءل: هل يمكن للحب أن يكون مجرد كلمات، أو أن الحب الحقيقي يجب أن يأتي من شخص يشعر به؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة