حرب كرة القدم بين هندوراس والسلفادور.. أسباب وأسرار 100 ساعة دموية

هل يمكن لمباراة كرة قدم أن تشعل حربًا تُزهق آلاف الأرواح؟ حرب كرة القدم أو حرب الـ100 ساعة بين هندوراس والسلفادور (1969) ليست صراعًا رياضيًّا فحسب، بل انفجارٌ لخلافات تاريخية عميقة بسبب الهجرة والأرض والهوية. في حين يُلقَّب هذا النزاع بـ«حرب كرة القدم» كما سماه الصحفي البولندي كابوسينسكي، تكشف الوقائع عن أن المباراة كانت الشرارة الأخيرة لبرميل بارودٍ مملوء بالتهميش الاقتصادي والاستغلال السياسي.

في هذا التحليل الشامل، نكشف عن المعلومات المدهشة المتعلقة بهذا النزاع التاريخي بين هندوراس والسلفادور، وكيف حوَّلت حكومتا البلدين غضب شعوبهما نحو عدوٍّ وهمي؟ وكيف تحوَّلت ملاعب الكرة إلى ساحات معارك حقيقية؟ وكيف اندلعت حرب المئة ساعة؟ وما آثارها التي امتدت لعقود؟ كيف انتهت هذه الحرب؟ وما الخسائر التي تكبدتها الدولتان الجارتان؟ انضم إلينا لكشف أسرار هذا الصراع التاريخي الفريد.

في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970 بالمكسيك، كانت المباراة التي جمعت بين الجارتين هندوراس والسلفادور هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وأدت إلى حرب مشتعلة بين الدولتين، والتي أدت إلى كثير من الخسائر البشرية والمادية، قبل أن يتحرك المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية لاحتواء الأزمة التي استمرت بعد ذلك في لجان محكمة العدل الدولية أكثر من 11 عامًا.

تصاعد الخلاف بين هندوراس والسلفادور 

على الرغم من أن الحرب التي نشبت بين الدولتين عام 1969 قد أطلق عليها حرب كرة القدم، فإن الأسباب الحقيقية لنشوب هذه الحرب تعود إلى أمور تاريخية عدة تتعلق بطبيعة البلدين، تعد دولة هندوراس أكبر من مساحة دولة السلفادور بـ5 أضعاف، لكن السلفادور يتجاوز عدد سكانها ضعف عدد سكان هندوراس.

دولة هندوراس أكبر من مساحة دولة السلفادور بـ5 أضعاف لكن السلفادور يتجاوز عدد سكانها ضعف عدد سكان هندوراس

وبذلك شهدت مرحلة الستينيات من القرن الماضي هجرة كبيرة من العمال الزراعيين من السلفادور إلى هندوراس، حتى وصل عددهم عام 1969 إلى نحو 300 ألف مهاجر، وهو ما أدى إلى مشكلة كبيرة في العمالة في دولة الهندوراس، فقد ظهرت البطالة التي عانى منها أبناء هندوراس، وهو ما دفع الحكومة إلى إصدار مجموعة من القوانين المتعلقة بتنظيم العمل في الزراعة وامتلاك الأراضي.

كانت القوانين التي صدرت عام 1962 تمنح السلطات في الهندوراس الحق في انتزاع الأراضي من ملاكها من السلفادور، وإعادة توزيعها على الفلاحين في هندوراس، إضافة إلى القوانين اللاحقة التي منعت المواطنين من السلفادور من تملك الأراضي، بل وتطور الوضع بعد ذلك إلى طرد السلفادوريين من الأراضي الهندوراسية التي عاشوا بها سنوات طويلة، وإعادتهم إلى بلادهم، وهو ما أدى بدوره إلى تصاعد حدة الخلافات بين البلدين.

ثم إن الأوضاع السياسية في البلدين كان لها تأثير كبير في تصاعد التوتر والخلاف، فقد كانت الحكومات تستغل هذا الصراع من أجل صرف النظر عن كثير من الإخفاقات الداخلية، وهو ما جعل وسائل الإعلام في كلا البلدين تؤجج مشاعر الكراهية والعداء بين الدولتين الجارتين، وكل هذه الأمور حدثت قبل تصفيات كأس العالم عام 1970، وقبل مباراة كرة القدم التي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وأدت إلى اشتعال الحرب التي أطلق عليها حرب كرة القدم أو حرب الـ100 ساعة.

مباراة الحرب بين الهندوراس والسلفادور 

في يوم 8 يونيو عام 1969، أقيمت المباراة الأولى بين الجارتين اللدودتين هندوراس والسلفادور، وكان الفائز بينهما في مجموع المباراتين سيصعد إلى المرحلة النهائية من تصفيات كأس العالم 1970 في المكسيك.

وعندما جرت المباراة الأولى في عاصمة الهندوراس تيغوسيغالبا، كان الفوز من نصيب الدولة صاحبة الأرض بنتيجة هدف مقابل صفر، بينما كانت الأجواء عدائية وشهدت أحداث شغب بين المشجعين.

ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، حيث اعتدت الجماهير في هندوراس على جماهير السلفادور، وامتد الأمر إلى مهاجمة المناطق التي يقيم فيها العمال والفلاحون السلفادوريون الذين يعيشون في الهندوراس منذ سنوات طويلة، وهو ما أدى إلى موجة كبيرة من الفرار والهجرة والعودة إلى هندوراس، حيث ترك السلفادوريون خلفهم كل الممتلكات والبيوت خوفًا من الاعتداءات الوحشية، وهو ما دعا دولة السلفادور إلى تقديم شكاوى في الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان.

في 8 يونيو عام 1969 أقيمت المباراة الأولى بين الجارتين اللدودتين هندوراس والسلفادور

وفي يوم 15 يونيو عام 1969، كانت مباراة العودة على ملعب فلور بنكال في العاصمة السلفادورية سان سلفادور، وكانت الأجواء أكثر سخونة واشتعالًا من المباراة السابقة، ونُقل اللاعبون من الفريقين إلى أرض الملعب في الحافلات التي يحرسها الجنود المدججون بالسلاح، إضافة إلى حضور رجال الأمن بكثافة وبأسلحة غير اعتيادية من أجل تأمين المباراة التي فازت فيها السلفادور بنتيجة 3 أهداف مقابل صفر.

ولأن اللوائح الرياضية لم تكن تمنح الأفضلية بحسب عدد الأهداف، فقد أقيمت مباراة فاصلة بين الفريقين يوم 26 يونيو عام 1969 في العاصمة المكسيكية، وهي المباراة التي فازت فيها السلفادور بنتيجة 3 أهداف مقابل هدفين وتأهلت إلى الدور النهائي من التصفيات، وهي المباراة التي خلدها التاريخ كونها المباراة الأهم التي أدت إلى حرب بين دولتين، فقد اندلعت المظاهرات في هندوراس، وتزايد الغضب الذي أدى إلى الاعتداء على المواطنين السلفادوريين المتبقين في البلاد.

ومن ناحيتها، قطعت السلفادور العلاقات السياسية والدبلوماسية مع هندوراس في 26 يونيو، نفس يوم المباراة الفاصلة، واتهمت الحكومة الهندوراسية بأنها لم تحرك ساكنًا لحماية مواطني السلفادور، ولم تعمل على معاقبة مرتكبي الجرائم، إضافة إلى عدم تقديمها أي تعويضات عن الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات التي تعرض لها المواطنون السلفادوريون.

اشتعال حرب كرة القدم 

وهكذا كان المناخ خصبًا لنشوب الحرب التي اندفعت إليها السلفادور في 14 يوليو، معتمدةً على قوتها العسكرية بالنسبة لهندوراس، فقد كان جيش السلفادور يتكون من نحو 20,000 جندي، حين كان الجيش الهندوراسي لا يتجاوز نحو 10,000 جندي، وهو ما جعل القوات السلفادورية تدخل إلى الأراضي في هندوراس وتتوغل لتصبح على مقربة من العاصمة.

ورغم أن المباراة لم تكن هي السبب الحقيقي لاشتعال الحرب، فإن الصحفي البولوني (ريشارد كابوشينسكي) (Ryszard Kapuściński) كان هو من أطلق عليها (حرب كرة القدم) عندما كان يغطي الأحداث، وهو ما أعجب وسائل الإعلام التي ألصقت هذا الاسم بالحرب التي استمرت 4 أيام (من 14 إلى 18 يوليو 1969)، والتي أطلق عليها أيضًا حرب الـ100 ساعة.

تدخل دولي ووقف إطلاق النار

قدمت السلفادور شكوى لدى الأمم المتحدة جعلت المجتمع الدولي يتدخل سريعًا، وخاصة منظمة الدول الأمريكية (OAS) التي أدت الدور المحوري في الوساطة، لا سيما بعد انتحار فتاة سلفادورية هي أميليا بولانيوس Amelia Bolaños بعد هزيمة فريقها في المباراة الأولى، واعتراضًا على الأحداث، وهو ما جعلها تتحول إلى بطلة وطنية ورمزًا للمعاناة السلفادورية في الإعلام المحلي، فضغطت منظمة الدول الأمريكية بقوة على الطرفين لوقف القتال.

قدمت السلفادور شكوى لدى الأمم المتحدة جعلت المجتمع الدولي يتدخل سريعًا وخاصة منظمة الدول الأمريكية OAS

انتهاء حرب كرة القدم 

ومع الجهود الدبلوماسية التي قامت بها الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، فقد وافقت الدولتان على وقف إطلاق النار في 18 يوليو وتوقيع اتفاقية سلام لاحقًا، انسحب على إثرها الجيش السلفادوري من الأراضي في هندوراس.

خسائر ونتائج حرب كرة القدم

وقد أدت هذه الحرب إلى الآلاف من الجرحى والمشردين، فيُقدر عدد المشردين واللاجئين بأكثر من 100 ألف شخص، معظمهم سلفادوريون عادوا من هندوراس، إضافة إلى مقتل نحو تقديرات بين 2000 و6000 قتيل شخص من المدنيين والعسكريين من كلا الجانبين، وإن كانت الخسائر البشرية والمدنية أكبر في الجانب الهندوراسي بسبب الغزو، في حين كانت الخسائر الاقتصادية للنازحين أكبر في الجانب السلفادوري.

أضف إلى ذلك الخسائر المادية الكبيرة والمنشآت التي  تتجاوز قيمتها عشرات ملايين الدولارت، إضافة إلى زيادة التوتر والصراع بين البلدين والذي أدى إلى توقف الحركة التجارية والعلاقات السياسية، وإغلاق الحدود بينهما، وكان من نتائج حرب كرة القدم أيضًا بدء عدد من الصراعات التي يمكن أن ترتقي إلى حرب أهلية في دولة السلفادور.

الطريق إلى السلام والمصالحة الرياضية

بعدما اتجه البلدان إلى محكمة العدل الدولية (ICJ) لتسوية النزاعات الحدودية العالقة، وقد استمر الصراع القانوني نحو 11 عامًا قبل توقيع معاهدة سلام في 30 أكتوبر عام 1980 من أجل إنهاء هذا الصراع نهائيًا.

وعلى صعيد الرياضة ولقاءات كرة القدم، فقد التقى منتخبا السلفادور وهندوراس عدة مرات منذ اندلاع حرب كرة القدم، ولم تحدث أي مشكلات في الملعب أو خارجه، إضافة إلى النتائج الطيبة التي حققها الفريقان في تصفيات كأس العالم عام 1982، حين صعدا سويًا إلى نهائيات كأس العالم في إسبانيا.

وهكذا، تُظهر حرب كرة القدم كيف يمكن للأحداث الرياضية أن تكون واجهة لصراعات أعمق تتعلق بالأرض والهوية والسياسة، فلم تكن مباراة كرة القدم هي السبب، بل كانت القشة التي كشفت عن توترات متراكمة لعقود بين السلفادور وهندوراس، وتركت حرب المئة ساعة القصيرة ندوبًا عميقة وخسائر بشرية واقتصادية، وأثرت على استقرار المنطقة لعقد من الزمن، وتظل هذه الحرب مثالًا تاريخيًّا صارخًا على خطورة تأجيج المشاعر القومية واستغلال الرياضة لأغراض سياسية، وتذكيرًا بأن جذور النزاعات غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه على السطح.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن حكاية حرب الـ100 ساعة، أو حرب كرة القدم التي وقعت عام 1970 بين هندوراس والسلفادور، نرجو أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة