اليوم سأخاصمك ولن أعطيك شيئًا من بركتي فقد قصصتني وأنت صغير وقطعت جذعي حين أَصْبَحْتَ كبيرًا..
لقد فاق جشعك الخيال فهل ترضى أن يقطع أحدهم أصبع من أصابعك أو يبتر عضو من أعضائك؟؟
هل ترضى أن يقتصَّ منك أحدهم لمجرّد أنه أراد ذلك أو من أجل سبب لئيم لقضاء حاجة؟؟
لقد كاد يُقضى عليك في غيابي وأنت تحت أشعة شمس حارقة أتت على بشرتك فأحرقتها، وأهلكت شفتيك اللتين بدأتا تدميان من شدة الجفاف الذي نال منهما..
أما لسانك فقد أبى إلا أن يبقى خارجًا كلسان كلب يلهث من شدة العطش أكرمك اللَّه.
لقد نال منك البرد يومًا ذات شتاءٍ فَسَمَحْتُ لك بأن تأخذ من أطرافي على سبيل التدفئة، وأنت من كرمك اعتنيت بي وسقيتني لتنمو لي أطراف جديدة وكأن شيئًا لم يكن.
أتتذكر العهد الذي كان بيننا وهو أنه واحدة بواحدة، فحين تأخذ شيئًا مني تسارع لرأَبَ الصَّدْعَ الذي حدث فتعوضني بمحبتك ورعايتك كجز عشب ضَّارٍ من تحتي يريد تسلقي والنيل مني، أو حتى تقليم أغصان ناشزة تشوه منظري..
لقد كُنْتَ يومها فعلاً تهتم لمظهري لأبدو جميلة الجميلات وأُعْجِبُ الناظرين..
أتتذكر حين سمحت لك بأن تأخذ البعض من أوراقي وأغصاني من أجل بحثك في العلوم الطبيعية حينها أُعْجِبَ أستاذك بشدة اخضراري ورونقي فهمست لك بأن تجيبه:
إن الفضل يعود لشجرتي الجميلة فهي من تستحق التكريم.
أما الحادث الذي مَرَرْتَ به ذات يومًا فأعتقد أنه لن ينمحي من ذاكرتك، فقد كانت يومها حياتك على المحك، حين انقلبت سيارتك على جُرُفٍ هَارٍ فَمَدَدْتُ لك يدي وأنقذتك..
لقد كان تواجدي هناك ليس عبثًا أو صدفة، فبالرّغم من أنها ليست بمنطقتي فغالبًا ما أتواجد داخل المدينة، لكن مشيئة اللَّه أرادت أن أنمو على طرفي الوادي.
أتتذكر؟؟
أعتقد بل أُجٌزٍمُ بأنها لن تخطر على بالك، لكنني أتذكر جيدًا حين كنت بعمر الخمس سنوات وأنت تحملني "نواة" بعد أن تلذذت بحبة دراق وأنت تركب السيارة مع والديك وتقول لوالدتك:
سأرمي بهذه النواة يا أمي لكي تنمو وتصبح شجرة وحين أشتهي الدراق أتوقف عندها لتعطيني حبة آكلها.
أجل هي أنا تلك النواة قد أصبحت شجرة وأعطيتك يدي وأنقذتك من السقوط في الوادي، هل أدركت الآن حكمة اللَّه في خلقه؟؟لقد حصدتَ خيرًا حين زرعته يومًا.
أمّا الذي فعلاً لامس قلبي فهو حين كنت وصديقك تلهوان فمد هذا الأخير يده وأراد أن ينزع مني غصنًا فنهرته وقلت له:
لا تفعل فهو مخلوق حيّ وسوف يغضب اللَّه إن قمت بذلك، لقد أعطيت درسًا لصديقك حول الرأفة بالمحيط والأشجار ورحت تعدد فوائدي.
فأنا من أعطي الظل للإسْتِظْلال وأعطي مادة الأكسجين من أجل التنفس، والراحة النفسية التي يحس بها المرء حين ينظر إلى وإلى اخضراري، أترى فمجرد تواجدي فإني أمنح الهدوء والسكينة.
لكن الآن ما الذي حدث؟؟ فقد أصبحت لا تهتم بالطبيعة حيث تمكن منك الطمع وتريد أن تصل لمبتغاك بأي وسيلة كانت، وبدون أن تراعي مشاعر شجرة كانت يومًا أعز صديق لك.
إن الإنسان ظلومًا جهولًا يظلم الطبيعة ويجهل مصلحته الحقة فيعتدي عليها بأقصى ما يملك..
فنراه يذهب مباشرة إلى تلك الشجرة التي يتنفس من خلالها وينهال عليها تقطيعًا أو حرقًا، فقط من أجل استخراج قطعة فحمٍ يطهو بها شريحة لحمٍ بدون تفكير حتى..
لقد وصل به الجشع وحتى الغباء أحيانا إلى الرمي بنفسه إلى التهلكة، وإلا كيف نفسر تصرفه الأرعن الذي يقوده إلى الاعتداء على وسيلة عيشه التي تمنحه من أجل عملية التنفس، إنه حقًا مفسد في الأرض بل هو ظالم لنفسه..
في الواقع هي قصة تصور علاقة لطالما أصابها الشد والجذب بين الإنسان والشجرة هذه الأخيرة التي سخَّرها اللّه لخدمة الإنسان..
ومع ذلك فنراه يزداد رعونة يومًا بعد يوم وكأنه المخلوق الوحيد المتواجد على هذه الأرض، ورغم ذلك فيبقى اللَّه رؤوف رحيم على مخلوقاته، فهو يعوّض على الشجرة ولا يعوّض على قاطعها.
أرى أنه لابأس بالإستغلال المعقول للطبيعة و مواردها فهي قد سُخرت لخدمة الإنسان وقت الحاجة،و لكن الفرط في ذلك يجلب التهلكة و الخراب لا محالة..
فعلاً وهو كذلك.
احسنت القول...الله يعوّض على الشجرة ولا يعوّض على قاطعها.
😍🙏🏻
فكر عال وحوار يدل عل العمق والجمال الذي يكمن في نفس مجانية الجميلة أحسنت.
خيال خصب
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.