لم يسعني الكثير من الوقت حتى أتيّقن سوء معاملة صديقي لخادمه الخاص عطوة، أقصد مساعده الذي التحق بالعمل معه في تلك المزرعة النائية في أطراف المدينة، فهو المساعد الوحيد المخلص له بحدّ زعمي، فكيف إذن يسيء معاملته هكذا؟ ويستبيح إهانته المتعمدة أمام ضيوفه هكذا؟
صحيح أنا وصديقي عماد أصدقاء عمل، ولكني أُعدُّ شخصاً غريباً عن محيطه العائلي، ولا أقوم بالتطفل على من يحتذي من أصدقائي جانب الخصوصية، ويسير في نهجها، فكلّ شخص حرٌّ، وأنا أيضاً لي مطلق الحرية في عدم السماح لأصدقائي مرورهم في حياتي الشخصية.
أخذتُ تنهيدة عميقة وأنا أتفحص ذاك الشاب الخادم الّذي يبدو بقميص صيفي خفيف، وسروال مهلهل ينمّ عن وضعه الحقيقي في تنظيف الحظائر بالمزرعة، وهذا لرائحة ملابسه الرثة المبللة بالماء والصابون، ثم ارتشفت فنجان القهوة المعدّ لي من قبل صديقي الحميم منذ بداية عملنا سوياً في إحدى الشركات الخاصة في مجال الهندسة المعمارية!
فكنت حينها خريجاً حديثاً، وكان صاحب الشركة صديقاً حميماً لوالدي، فلن أمتطي سقف طموحاتي يوماً في تغيير وظيفتي مثلما فعل عماد الذي لاحظت منذ أول يوم فيه من زمالتنا لاحظت مستوى طموحه العالي جداً، والخالي من أي واقعية! كان حلمه الحقيقيّ هو امتلاك مزرعة دواجن وأرض مستصلحة حديثاً تنتج أفخر أنواع الأعناب لتصديرها إلى الخارج فكنت أستمع إليه وأنا أظنه شخصاً مجنوناً أو ربما طموحاً، ولكن عماد حقق حلمه الذي كان يسعى إليه عندما قابل ابنة صاحب الشركة عقد العزم وتقدم لها على الفور، فلم يلبث الخبر أن يذاع في كلّ مكان عن موعد الزواج، وسرعان ما تزوّجا، وتملّك تلك المزرعة في وقت قصيرٍ جداً، سرعان ما حقق أحلامه التي تقدمت إليه على طبق من ذهب متتاليةً، لم أقصد انتقاد صديقي لسوء معاملته من يساعدوه! ولكني فقط متعجب، كيف لشخصية عماد أن يتتبع مثل هذا التعامل المُهين جداً لشخصٍ يبدو على هيئته أنه فقيرٌ محتاجٌ، فليس لدى هذا الخادم أهل، أو مكان يسكن فيه غير المزرعة!
أيقظني من شرودي عماد قائلاً لي وكأنه كشف عما دار في ذهني في هدوء متريث بنظرة خبيثة وابتسامة مزيفة: أعرف أنك لا تفضل مثل تلك المعاملة مع من هم أقل منا مستوى، أنت وأمل تريدان مني أن أتعامل بلين مع من حولي، ودائما الانتقاد لي، في حين أني أجد فيها الخلاص من تحقيق التوازن المطلوب، اعترضت كلماتِه في حنق قائلاً له: أي توازن هذا الذي تريده؟
رد عليّ متشفيّاً ولا زال يحتفظ بابتسامته الهادئة وهو يأخذ فنجان الشاي بين أنامله، ويرتشفه في هدوء مستكملاً: نعم، التوازن بين الخوف مني والحرص على إرضائي دائماً، فليس من السهولة الحصول على خادم شخصي أمين الآن! فلن يتحقق هذا إلا بذاك الخوف، والحرص، فمن خلال خوفه مني يحرص على ألّا يزعجني، ويسارع في نفس الوقت إلى إرضائي، وهكذا أحصل على أمانته وإخلاصه لي.
قاطعته بتهكم قائلاً نعم: قاطعته بتهكّم قائلاً... نعم: فإنه هدية لك من السماء في الوقت الذي احتجت مساعداً خاصاً ظهر هو من العدم! وكأنه صعد إليك من مصباحك السحريّ! كتلك المزرعة تماماً يموت صاحبها وفي نفس الشهر تكون ملكك، أي بشرٍ أنت؟ ألديك حقاً مصباحٌ سحريٌّ.. تتمنى مزرعة، تأتي إليك المزرعة! تتمنى خادماً يأتي إليك الخادم! وكان ينظر إليّ بعين متسعة، وكأنه كان ينتظر كلماتي تلك لتلقى على مسامعه الليلة ذاتها!
واستكمل هو قائلاً: ولماذا لم تكمل إذن، وأمل؟ أنسيتها؟
صمتت لبرهة وأنا أستجمع سؤاله المباغت لي: أمل؟ أهي أيضاً كانت من ضمن أحلامك؟ غريب؟ أنت لم تصارحني قبل عنها أو عنكم؟ أقصد....
يتبع الفصل الثاني...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.