جيفري هينتون.. كيف صنع الأب الروحي للذكاء الاصطناعي المستحيل؟

أصبحنا نجني في ترف وسعادة آثار ابتكار تقنية الذكاء الاصطناعي، ولكننا لم نفكر كثيرًا فيمن يقف وراء هذه السعادة. بلا شك يوجد كثيرون، لكن يتميز من بينهم اثنان هما آلان تورينج وجيفري هينتون، الأول وضع الأساس النظري، والثاني حوَّل النظريات إلى تطبيق ونتائج. ولم يتأخر العالم كثيرًا في تكريم الثاني الذي مُنح جائزة نوبل في الفيزياء في النسخة الأخيرة 2024. يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على شخصية الثاني وأهم أعماله وأفكاره وتطبيقاته التي حوَّلت الحلم إلى حقيقة، وأعطت العالم أجمع مفتاحًا سحريًّا جديدًا لمزيد من الاكتشافات والتطبيقات.

من جيفري هينتون Geoffrey Hinton؟

هو عالم كمبيوتر وعالم نفس إدراكي بريطاني كندي، قدَّم إسهامات رائدة في مجال الشبكات العصبية الاصطناعية والتعلم العميق، تركَّز عمله في تطوير تقنيات التعلم الآلي، وحصل على جائزة تورينج عام 2018 التي غالبًا ما يُشار إليها باسم "جائزة نوبل في الحوسبة"، وحصل أيضًا على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2024 عن اكتشافاته الأساسية في التعلم الآلي. يُعد جيفري هينتون "الأب الروحي للذكاء الاصطناعي"؛ بسبب إسهاماته الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، ولا سيما في تطوير الشبكات العصبية والتعلم العميق.

حصل جيفري هينتون على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2024

تعود جذور خلفية جيفري هينتون في علم النفس الإدراكي إلى رحلته الأكاديمية واهتماماته البحثية. فقد حصل على درجة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي من جامعة إدنبرة عام 1977، وركَّزت أطروحته على "الاسترخاء ودوره في الرؤية" وجمعت بين عناصر علم النفس وعلوم الكمبيوتر، وتوصلت لمعرفة كيف يعالج الدماغ البشري المعلومات البصرية. وقد تركَّز عمله حول علم النفس الإدراكي كي يمكن فهم وإدارة العمليات المعرفية، مثل التعلم والإدراك بواسطة الشبكات العصبية الاصطناعية. وقد سمح النهج متعدد التخصصات بتقديم إسهامات كبيرة في كل من علم النفس الإدراكي والذكاء الاصطناعي.

كيف أسَّس جيفري هينتون قاعدة الذكاء الاصطناعي؟

لقد وضع جيفري هينتون بعبقرتيه الفريدة الأسس البنائية للذكاء الاصطناعي. فقد قدم كثيرًا من الإسهامات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، أدت لإرساء البنية الأساسية للذكاء الاصطناعي في العالم أجمع. فقد تعامل جيفري هينتون، بابتسامته المرحة مع هذه المهمة مثل المهندس المعماري الماهر الذي يصمم ملعبًا عقليًّا معقدًا. يتكون مما يلي:

  1. الشبكات العصبية Neural Networks: ابتكر الشبكات العصبية على شاكلة العقل البشري، كي تكون العمود الفقري للذكاء الاصطناعي؛ ما يسمح لآلات الحاسب بالتعلم والتفكير بطريقة مماثلة للعقل البشري على نحو لم يسبق له مثيل.
  2. التعلم العميق Deep Learning: أطلق هينتون العنان لقوة التعلم العميق. فنجح في تعليم آلات الحاسب الغوص عميقًا في البيانات والعلاقات؛ ما يؤدي إلى كشف عن الأنماط والأسرار الخفية في البيانات بطريقة قد تفوت حتى على العقول الأكثر فضولًا والأكثر علمًا.
  3. الانتشار العكسي Backpropagation: ابتكر هينتون  تقنية الانتشار العكسي، وهي تقنية أرسلت موجات من الإثارة عبر مجتمع الذكاء الاصطناعي. فقد قامت هذه التقنية بتعليم الآلات كيفية التعلم من أخطائها والتعامل معها.
  4. الشبكات العصبية الاصطناعية Artificial Neural Networks (ANNs): هينتون، هو محرك الدمى الرئيس، فقد سحب الخيوط وأحيا الشبكات العصبية الاصطناعية، التي أصبحت بتركيباتها المعقدة من الاتصالات، نجوم عرض الذكاء الاصطناعي، فقد أدهشت الجماهير بقدرتها على محاكاة الذكاء البشري.
  5. خوارزميات التعلم الآلي Machine Learning Algorithms: أنشأ هينتون ترسانة خوارزميات (وهي التعليمات والأوامر التي يعطيها للآلة) كي تتمكن من القيام بمهام التعلم والتكيف واتخاذ القرارات.
  6. معالج اللغة الطبيعية Natural Language Processing (NLP): أضاف هينتون لمسة من السحر اللغوي إلى الذكاء الاصطناعي، عن طريق تعليم الآلات فهم اللغة البشرية وتوليدها، فأصبحت قادرة على التفاعل والحوار.
  7. الرؤية الحاسوبية: استطاع هينتون أن يمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على الرؤية عن طريق إخراج خوارزميات الرؤية الحاسوبية.

كانت خوارزميات التعلم العميق التي ابتكرها هينتون تغييرًا جذريًّا  في الذكاء الاصطناعي

كيف نجح جيفري هينتون في تطوير الذكاء الصناعي؟

يمكن أن يُعزى نجاح جيفري هينتون في تطوير الذكاء الاصطناعي إلى مجموعة من العوامل تشمل أفكاره المبتكرة وبحوثه الرائدة وروح الفكاهة والدعابة ونهجه الفريد في حل المشكلات. وفيما يلي بعض الأسباب المباشرة لذلك:

  1. أحدث ثورة في مجال الشبكات العصبية. كانت قدرته على تصور هذه الشبكات المعقدة وصقلها، المستوحاة من الدماغ البشري، أشبه باكتشاف وصفة سرية لنجاح الذكاء الاصطناعي.
  2. أدى عمل هينتون إلى اختراقات كبيرة في التعلم العميق، وهو مجموعة فرعية من التعلم الآلي تحاكي الشبكات العصبية في الدماغ البشري. وكانت إسهاماته مفيدة في تطوير تقنيات مثل التعرف على الكلام، والتعرف على الصور، ومعالجة اللغة الطبيعية.
  3. في عام 2012، طوَّر هينتون وطلابه شبكة AlexNet، وهي شبكة عصبية ملتوية عميقة فازت بتحدي ImageNet. وقد مثَّل هذا الإنجاز معلمًا مهمًّا في مجال الرؤية الحاسوبية وأظهر قوة التعلم العميق.
  4. كانت خوارزميات التعلم العميق التي ابتكرها هينتون بمنزلة تغيير جذري؛ فقد جعل الذكاء الاصطناعي يغوص عميقًا في البيانات، ويكشف عن أنماط ورؤى خفية مكَّنته من حل الألغاز المعقدة بسهولة.
  5. ابتكار تقنية الانتشار العكسي أضاف لمسة من الفكاهة إلى تدريب الذكاء الاصطناعي؛ فقد علَّم الآلات أن تضحك على أخطائها، وتعالجها؛ ما جعل عملية التعلم أكثر متعة وفاعلية.
  6. روح المرح لدى هينتون جعلته يتعامل مع تطوير الذكاء الاصطناعي بعقلية مرحة، ومستعد دائمًا للتجربة واستكشاف أفكار جديدة خارج الصندوق، وإيجاد حلول مبتكرة مميزة.
  7. التعاون مع الآخرين: لقد أحاط نفسه بعقول لامعة، وكوَّن فرقًا قوية تكمل خبرته معًا، فخلقوا تآزرًا دفع بحوث الذكاء الاصطناعي إلى الأمام.
  8. القيادة الملهمة: كان أسلوب هينتون القيادي ملهمًا وجذابًا؛ ما حفَّز فريقه للعمل بشغف وتفانٍ وحماس أدى إلى خلق بيئة عمل إيجابية ومنتجة، وتنفيذ أفكاره ورؤيته على نحو فعال.
  9. النهضة البحثية: كانت إسهامات جيفري هينتون البحثية واسعة ومتنوعة، فقد استكشف جوانب مختلفة من الذكاء الاصطناعي، وحافظ على فضوله ودافعه لاستكشاف آفاق جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
  10. التأثير والتقدير: كان لعمل هينتون تأثير عميق في عالم الذكاء الاصطناعي، فقد حدد مساره وأثَّر في عدد لا يُحصى من الباحثين والممارسين، وأعطى دفعة معنوية ومادية لإنعاش البحوث الجادة في هذا المجال؛ ما عزَّز مكانته بصفته رائدًا وقائدًا في هذا المجال.

لذا، يمكن أن يُعزى نجاح جيفري هينتون في تطوير الذكاء الاصطناعي إلى تفكيره المبتكر وروحه التعاونية وجرعة صحية من الإبداع والفكاهة. لقد جلب سحرًا فريدًا إلى هذا المجال؛ ما جعل الذكاء الاصطناعي ليس ذكيًّا فحسب، بل إنه أيضًا ممتع وآسر.

ما العلاقة بين عمل جيفري هينتون وعمل آلان تورينج Alan Turing؟

يُعد جيفري هينتون وآلان تورينج كلاهما من الشخصيات المحورية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتعد إسهاماتهما متميزة ومتكاملة.

إسهامات آلان تورينج

  1. قدم آلان تورينج مفهوم آلة تورينج، وهو نموذج حسابي مجرد أرسى الأساس لعلم الكمبيوتر الحديث، فقد صاغ هذا النموذج مفاهيم الخوارزمية والحوسبة.
  2. أدخل اختبار تورينج الذي يُستخدم معيارًا لتحديد ما إذا كانت الآلة قادرة على إظهار سلوك ذكي أم لا.
  3. خلال الحرب العالمية الثانية، أسهم عمل تورينج في كسر شفرة إنجما التي استخدمها الألمان في الحرب.
  4. قدم تورينج في عام 1950 ورقة بحثية أرست أساسيات الذكاء الاصطناعي، بعنوان "آلات الحوسبة والذكاء" وهي واحدة من أقدم الأعمال التي ناقشت إمكانات الآلات لإظهار سلوك ذكي.

قدم تورينج عام 1950 ورقة بحثية أرست أساسيات الذكاء الاصطناعي

أما إسهامات جيفري هينتون فقد سلف ذكرها، وتتلخص في الشبكات العصبية الاصطناعية، وتطوير وترويج خوارزمية الانتشار الخلفي التي تعد ضرورية لتدريب نماذج التعلم العميق التي أسهم فيها كثيرًا، وابتكر وطوَّر شبكة عصبية ملتوية تعرف باسم AlexNet.

العلاقة بين عملهما

وضع آلان يورنج النظريات الأساسية للعمل في الحوسبة والخوارزميات، والمبادئ الأساسية التي يُبنى عليها الذكاء الاصطناعي الحديث، وقد طبَّق هينتون هذه النظريات عن طريق ابتداع الشبكات العصبية. وفي حين أرست رؤية تورنج للآلات الذكية الأساس المفاهيمي لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ فإن عمل هينتون في الشبكات العصبية والتعلم العميق قد حقق هذه الرؤية على أرض الواقع عن طريق إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي عملية وقوية. أسهم كل من تورنج وهينتون في الطبيعة متعددة التخصصات للذكاء الاصطناعي، بالجمع بين الرؤى من الرياضيات وعلوم الكمبيوتر وعلم النفس الإدراكي لتطوير هذا المجال.

باختصار، فقد قدَّم تورنج الأسس النظرية والرؤية المبكرة للذكاء الاصطناعي، في حين تقدم هينتون في التنفيذ العملي وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولا سيما في الشبكات العصبية والتعلم العميق.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة