في بلد مزقته الحرب الأهلية والفقر والمرض، لم تكن أحلام أي طفل تتجاوز وجبة ساخنة أو حذاء جديدًا، لكنَّ جورج ويا، ذلك الطفل المتمرد ذا الأقدام الحافية والجسد الهزيل، كان يتطلع لأن يصبح لاعب كرة مشهورًا.
وعلى الرغم من ظروف الحرب من ناحية، وانفصال والديه من ناحية أخرى، كان القدر يحمل له قصة أسطورية، فكيف توالت الأحداث في حياة جورج ويا ووضعته على عرش الكرة العالمية، قبل أن تضعه على كرسي الحكم؟
التقط أنفاسك وتابع الحكاية على جوك.. حيث المعرفة متعة.
طفولة معدمة
في أحد أكثر أحياء مونروفيا فقرًا، عاش طفولته في منزل جدته بعد انفصال والديه، ساعات طويلة من اللعب في الشارع، وهروب متكرر من المدرسة، كانت كافية ليتوقف الولد المشاغب عن دراسته ويتفرغ لكرة القدم، وهو في الـ15 من عمره.
بدأ جورج ويا يلعب لأندية فقيرة ويلفت الأنظار يومًا بعد يوم، بينما جدته تستيقظ في السادسة صباحًا لتبيع الأسماك وتوفر الطعام للفتى صاحب الأحلام الكبيرة.
وفي عام 1987، التحق ويا بنادي تونير كلارا الكاميروني ليشاهده كلود لوروا مدرب منتخب الكاميرون في ذلك الوقت، وسريعًا أجرى لوروا اتصالًا بصديقه أرسين فينجر ليأتي إلى الكاميرون لمشاهدة الفتى المعجزة.
فينجر.. صائد النجوم
وبمبلغ 12 ألف جنيه إسترليني، تعاقد أرسين فينجر مع جورج ويا وضمه لفريق موناكو الفرنسي، وبين الصدمة ودموع الفرحة وذهول عائلة ويا، أقسم الفتى أن يبتعد عن السهر والخمور والمشكلات.
وبدأ الفتى يصبح نجمًا كبيرًا، فحصد بطولة الكأس مع موناكو، وانتقل إلى باريس سان جيرمان ليفوز بلقب للدوري ولقبين للكأس، ويسجل 32 هدفًا في 96 مباراة، قبل أن يذهب إلى الكالتشيو.
الكرة الذهبية
وما بين عامي 95 و99، عاش جورج ويا أفضل أيامه في عالم الساحرة المستديرة برفقة إي سي ميلان الإيطالي، ففاز بلقب الدوري مرتين وتوج بالكرة الذهبية بصفته أفضل لاعب في العالم، ليغدو واحدًا من أبرز اللاعبين الذين حصلوا على جائزة الكرة الذهبية عبر التاريخ، وحصل على أفضل لاعب في أوروبا وإفريقيا في عام واحد، إلا أن أحداثًا ساخنة كانت تنتظر الفتى هناك في ليبيريا.
كانت الحرب الأهلية دائرة في البلاد، والرئيس الليبيري تشارلز تايلور يحاول السيطرة على الوضع بواسطة كرة القدم، وفي الوقت نفسه كان يشعر بالتهديد من شعبية جورج ويا، ووسط مخاوف كبيرة على حياة أفضل لاعب في العالم، طلب كثيرون من جورج البقاء في أوروبا وعدم المشاركة في مباريات المنتخب.
وفي أثناء ذلك تعرضت عائلة ويا للهجوم على منزلهم في ليبيريا، فضُرب الرجال واعتُدي على النساء، وأُحرق المنزل بعد نهبه وسُرقت سيارات الأسرة.
لاعب.. ومدرب!
وعلى الرغم من ذلك، قرر جورج ويا خوض مباريات المنتخب، وفي تصفيات كأس العالم خسرت ليبيريا المباراة الأولى أمام السودان فأقيل المدرب، وتولى ويا تدريب الفريق، وحينئذ بدأ فاصل من الدراما والمشاهد التي لا يستوعبها المنطق.
ففي مباراته الأولى لاعبًا ومدربًا فاز جورج ويا على منتخب نيجيريا المدجج بالنجوم، وبينما كانت الحرب تلتهم البلاد، كان ويا يقدم المكافآت والملابس ويدفع الرواتب للاعبي المنتخب من جيبه الخاص.
فكان الانتصار على منتخب غانا في مباراة خيالية، وعلى الرغم من أن ليبيريا جاءت ثانية في المجموعة ولم تتأهل لكأس العالم، فإنها صعدت إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية 2002، وحصلت على أفضل تصنيف لها في التاريخ.
تغيير البوصلة
وحينئذ بدأ جورج ويا يصوب وجهه ناحية القصر الرئاسي، فالبلاد تحتاج لطفرة كبيرة مثلما حدث مع منتخب الكرة.
وفي عام 2005، اعتزل جورج ويا كرة القدم وترشح لرئاسة البلاد، لكنه خسر السباق في المرة الأولى أمام الخبيرة الاقتصادية إيلين جونسون سيرليف.
وبعد مدة إعداد قوية، عاد نجم كرة القدم السابق إلى المنافسة على كرسي الرئاسة في 2017، وفي هذه المرة حصل ويا على 62% من أصوات الناخبين، وأُعلن رئيسًا لليبيريا في يناير 2018 في أول عملية انتقال ديمقراطية في البلاد.
قصة أشبه بالحلم، عن فتى صغير يلعب حافيًا في شوارع أفقر دولة تعاني ويلات الحرب والفقر والمرض، فيصبح نجمًا شهيرًا، ويحصد الألقاب ويجني الملايين ويصبح حاكمًا للبلاد!
ولتصبح رحلة جورج ويا من ساحات الكرة الى كرسي الرئاسة من أكثر قصص الصعود دهشة وغرابة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.