الروائي جمال ناجي.. سيرة وأعمال رائد السرد الأردني

جمال ناجي من مخيم عقبة جبر إلى سماء الرواية العربية، نسج الكاتب الأردني ذو الأصول الفلسطينية مسيرة إبداعية حافلة، تاركًا بصمة مميزة في الأدب والثقافة، برواياته التي غاصت في أعماق المجتمع وتنوعت بين الأمكنة والأزمنة، وقصصه التي كشفت دواخل النفس البشرية، صاغ تجربته الروائية والقصصية بمعايشة الواقع السياسي والاجتماعي في المخيمات والمدن والقرى، مقدّمًا أعمالًا أثرت السرد العربي الحديث، تنقّل بين التعليم والعمل البنكي والثقافي دون أن يتوقف عن الإبداع، فأنجز روايات وقصصًا مثَّلت علامات فارقة في المشهد الأدبي.

يستعرض هذا المقال مسيرة حياة جمال ناجي هذا الأديب القدير، بدءًا من نشأته في مخيم عقبة جبر مرورًا بتنقله بين الوظائف الثقافية والإبداعية، وصولًا إلى رئاسته لرابطة الكتاب الأردنيين وأعماله الروائية والقصصية التي نالت استحسان النقاد والقراء، ويتعمق في التجربة الأدبية لجمال ناجي المتنوعة التي تميزت بالمصداقية واللغة البسيطة وقدرته على التقاط التفاصيل الإنسانية، إضافة إلى اهتمامه العميق بالثقافة العربية وقضاياها، انضم إلينا في جولة سريعة نستكشف فيها حياة وإبداعات وأعمال جمال ناجي هذا القلم الأردني الأصيل.

المولد والنشأة

وُلد جمال ناجي محمد إسماعيل في (مخيم عقبة جبر) التابعة لمدينة أريحا في فلسطين عام 1954، وعاش هناك طفولته قبل أن ينتقل إلى عمّان بعد أحداث النكسة عام 1967، حيث حصل على دبلوم الفنون من كلية تدريب عمّان عام 1975، وهو ما أهَّله ليعمل مدرسًا بعد ذلك في المملكة العربية السعودية في منتصف سبعينيات القرن الماضي.

وُلد جمال ناجي محمد إسماعيل  في مخيم عقبة جبر التابعة لمدينة أريحا في فلسطين عام 1954

تنقَّل جمال ناجي في عدد من الوظائف والأعمال بعد عمله في السعودية، حيث حصل على وظيفة في البنك العربي في العاصمة الأردنية عمّان منذ عام 1978 حتى عام 1995، قبل أن يعمل مديرًا لمركز (ثقافات) للدراسات حتى عام 2004. وخلال أوقات عمله المختلفة، كان جمال ناجي يمارس الكتابة والإبداع.

محطات هامة في حياة جمال ناجي

من أهم المحطات التي مر بها جمال ناجي هي انتخابه رئيسًا لرابطة الكُتَّاب الأردنيين عام 2001، وهي المرحلة التي كان فيها يمارس نشاطه في اتحاد الكُتَّاب العرب بوصفه عضوًا في الأمانة العامة، إضافة إلى عمله في اللجنة العليا لعمّان عاصمة الثقافة العربية وذلك عام 2002.

وخلال مسيرته، تولَّى جمال ناجي عددًا من الأعمال ذات الطابع الثقافي والإبداعي، ومن أهمها رئاسة تحرير مجلة (أوراق)، وعضوية لجنة سيناريوهات الأردن المستقبلية، إضافة إلى عضويته في عدد كبير من لجان تقييم النصوص الأدبية، ورئاسته للمركز الثقافي العربي في عمّان عام 2009.

وإضافة إلى عضوية اتحاد الكُتَّاب العرب، كان جمال ناجي عضوًا ناشطًا في عدد من الكيانات الثقافية والفنية والإبداعية الكبيرة مثل اتحاد الكُتَّاب الأفرأسيوي، ورابطة الكُتَّاب الأردنيين، ورابطة الفنانين التشكيليين في الأردن، إضافة إلى عضويته في منظمة القلم الدولية (PEN International)، وهو ما يوضح مدى النشاط والتفاعل الكبير للمبدع الذي لم يكتفِ بالوظائف الثابتة، ولم يسعَ إلى الوحدة من أجل ممارسة العمل الإبداعي، فكان يعمل في كل الخطوط بشكل متوازٍ ويحقق النجاحات الكبيرة على كل الصُّعد.

التجربة الأدبية لجمال ناجي

اتَّجه جمال ناجي إلى الكتابة منذ نعومة أظافره، إلا أن نشاطه في الكتابة الروائية ظهر في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، إذ كتب روايته الأولى بعنوان (الطريق إلى بلحارث) التي نُشرت عام 1982، وحققت نجاحًا كبيرًا، وتمَّت طباعتها لعدَّة مرات، ولاقَت قبولًا هائلًا لدى النقاد والقراء، ومن خلالها عَرَف المجتمع الثقافي العربي اسم جمال ناجي.

اتَّجه جمال ناجي إلى الكتابة منذ نعومة أظافره إلا أن نشاطه  في الكتابة الروائية ظهر  في أوائل السبعينيات من القرن الماضي

الرواية استكشاف الأمكنة والأزمنة

كان نجاح الرواية الأولى دافعًا للكاتب والروائي جمال ناجي لإصدار عدد من الروايات والمجموعات القصصية التي صنعت اسم وتجربة جمال ناجي، وتميَّزت بالتنوع والمصداقية واللغة البسيطة، إضافة إلى قدرة جمال ناجي على التقاط التفاصيل وتشكيل الأحداث في القصة والرواية.

ومن أهم سمات الكاتب جمال ناجي أن أعماله لا تدور في أماكن محددة أو أزمنة محددة، وإنما انتقل بين الأماكن والأزمنة من رواية إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، روايته الأولى (الطريق إلى بلحارث) تتناول القرية السعودية والبيئة الصحراوية في سبعينيات القرن العشرين، أما روايته الثانية بعنوان (وقت) فتدور في الخمسينيات والستينيات في منطقة المخيم الفلسطيني. وهكذا جاءت روايته الثالثة بعنوان (مخلفات الزوابع الأخيرة) التي تناولت الغجر والسفر والترحال والصراع نتيجة التعايش مع المجتمعات المحلية.

القصة القصيرة لغة مكثفة ونهايات مفاجئة

وعلى مستوى القصة القصيرة، فقد أصدر جمال ناجي 3 مجموعات قصصية نالت إعجاب القرَّاء، ورأى فيها النقاد نمطًا جديدًا وأسلوبًا مختلفًا عن الأعمال الروائية لجمال ناجي، بما في ذلك المعالجة والمضمون واللغة المكثفة وطريقة الكشف في أعماق النفس البشرية، والاعتماد على المفارقة والنهايات غير المتوقعة، وهو ما يوضح أن الكاتب لديه الكثير في موهبته ورؤيته وقدرته على التطور والمواكبة.

جمال ناجي المثقف العربي

من ناحية أخرى، كان القاص والروائي الأردني جمال ناجي أحد المنشغلين بالثقافة العربية والناشطين في مجالات الفكر والفلسفة. كما كان يهتم كثيرًا بفكرة التعدُّدية الثقافية، وكان كثيرًا ما يتحدث عنها في المقالات والندوات، إضافة إلى إشرافه على برنامج (الثقافة المدنية) التي كان يعدها جزءًا من رسالته الثقافية والإبداعية.

الكتابة للشاشة ومساهمات أخرى

إضافة إلى نشاطه الثقافي، فقد منحت وزارة الثقافة الأردنية الكاتب والروائي جمال ناجي (إجازة التفرغ الإبداعي) عام 2007، وذلك من أجل إنجاز مشروعه الروائي تحت عنوان (عندما تشيخ الذئاب)، وهو عمل سياسي اجتماعي ديني متعدد الأصوات، وهو ما يُعد نهجًا جديدًا على الكاتب الذي دائمًا ما قدَّم الجديد على مدار تجربته الإبداعية.

مشهد من مسلسل (وادي الغجر) الذي استند إلى رواية الكاتب جمال ناجي (مخلفات الزوابع الأخيرة) إنتاج التلفزيون الأردني

كذلك فقد كتب جمال ناجي في السيناريو، وكان له أعمال أنتجها التلفزيون الأردني مثل مسلسل (وادي الغجر) الذي كُتب عن روايته (مخلفات الزوابع الأخيرة)، وكذلك مسلسل (حرائق الحب)، بالإضافة إلى كتابته بصورة منتظمة في عدد من المجلات العربية مثل صحيفة الرأي والدستور الأردنيتين، ومجلة دبي الثقافية، وعدد من الإصدارات داخل وخارج الأردن.

جوائز وتكريمات جمال ناجي

حصل الروائي والقاص الأردني الكبير جمال ناجي على عدد من الجوائز والتكريمات داخل وخارج الأردن. ومن أهم هذه التكريمات ما يلي:

  • جائزة أفضل كتاب عام 1985 عن رواية (وقت)
  • الجائزة الدولة التشجيعية في الأدب من الأردن عام 1989
  • جائزة (تيسير سبول) للرواية عام 1992
  • الجائزة التقديرية لرابطة الكتّاب الأردنيين عام 1991
  • إجازة التفرغ الإبداعي من وزارة الثقافة الأردنية عام 2007
  • جائزة التفرغ الإبداعي من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) ببيروت عام 2009
  • القائمة النهائية للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر IPAF) عام 2010 عن رواية (عندما تشيخ الذئاب)
  • القائمة النهائية لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2014 عن رواية (غريب النهر)
  • جائزة الدولة التقديرية في الآداب من الأردن عام 2015
  • جائزة الملك عبد الله الثاني للإبداع الأدبي عام 2016

أعمال جمال ناجي

تنوعت أعمال جمال ناجي بين الرواية والقصة القصيرة والسيناريوهات والمقالات، وقد وصل عدد الكتب التي تحدثت عن أعماله إلى أكثر من 62 كتابًا، إضافة إلى الجهود الكبيرة التي قام بها جمال ناجي على مستوى النشاط والتفاعل الأدبي في رابطة الكُتَّاب الأردنيين واتحاد الكُتَّاب العرب ومجلس النقابة، وعمله في الصحافة، وفي لجان التحكيم الأدبية والمؤتمرات التي شارك فيها على مدار سنوات طويلة، من أهم أعماله المنشورة ما يلي:

  • رواية (الطريق إلى بلحارث) عام 1982
  • رواية (وقت) عام 1984
  • رواية (مخلفات الزوابع الأخيرة) عام 1988
  • رواية (الحياة على ذمة الموت) عام 1993
  • رواية (ليلة الريش) عام 2004
  • رواية (عندما تشيخ الذئاب) عام 2008
  • رواية (سنوات الإنهاك) عام 2000
  • (رجل خالي الذهن) مجموعة قصصية عام 1989
  • (رجل بلا تفاصيل) مجموعة قصصية عام 1994
  • (ما جرى يوم الخميس) مجموعة قصصية عام 2006
  • (وادي الغجر) سيناريو عام 2006
  • (حرائق الحب) سيناريو عام 2008

من أهم أعمال جمال ناجي المنشورة رواية (عندما تشيخ الذئاب) عام 2008

اقتباسات من أعمال جمال ناجي

  • «لا فائدة من وضع النفايات في السلة إذا كان الإنسان يعيش في مزبلة».
  • «يبدو أن الحياة لا تكتفي بثني قامات الناس، بل تثني قلوبهم وقوتهم ونشاطهم».
  • «ما أثار اهتمامي في حواراتي مع السياسيين هو أن من يبدأ يساريًا أو قوميًا يظل محسوبًا على اليسار أو القومية العربية حتى لو أصبح مليونيرًا أو صار من أركان الحكومة».
  • «حياة الإنسان لا تُصمَّم على نحو معين، إنما هو من يُسهم في رسم مساربها بوعي منه أو دون وعي».
  • «الناس يعرفون من يحبهم أو يكرههم من عيونهم وشفاههم ووجوههم وكلماتهم وطريقتهم في الابتسام والضحك، لا يمكن إخفاء الحب أو البغض».
  • «من يريد أن يكذب يجب أن تكون ذاكرته جيدة».

وفاة جمال ناجي

توفي جمال ناجي يوم 6 مايو عام 2018 عن عمر ناهز 64 عامًا في العاصمة الأردنية عمّان، بعد إصابته بجلطة قلبية.

وترك جمال ناجي إرثًا كبيرًا من العمل الثقافي والإبداعي دفع عددًا من الباحثين والكُتَّاب إلى إعداد رسائل الدكتوراه والماجستير عن أعماله الروائية والقصصية، كما أدرجت قصصه القصيرة في المناهج الدراسية وتم تدريس رواياته في بعض الجامعات.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في حياة الكاتب والروائي الكبير جمال ناجي، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة. ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعمّ الفائدة الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة