جمال النّساء (البدينات) في الفنّ

ثقُلتْ روادفُها ومال بخَصْرها..

كَفَلٌ كما مال النَّقا المتقصِّف..

أعشى همدان.

يعتبر موضوع جمال المرأة من المواضيع الّتي ألهمت الكثير من الفنانين على مرّ العصور، حيث لها حضور بارز في كثير من أعمالهم الفنّيّة سواء كان شعرًا، أم رسمًا، أم غير ذلك.

إلّا أنّ مواصفات المرأة الجسديّة ومعايير ومقاييس الجمال قد اختلفت مع الزّمن بشكل كبير، وأصبح معيار الجمال وصورته الذّهنيّة في عصرنا الحاليّ يتمثّل في الرّشاقة والخفّة الجسمانيّة.. إلخ.

ويعتبر الكثير أنّ المرأة البدينة لا تنطبق عليها معايير الجمال الجسمانيّة والجسديّة، فهل طرأ تغيّر في مفهوم معايير الجمال بين الماضي والحاضر؟ ففي القرون السّابقة كانت بدانة المرأة معيارًا لجمالها فمثلًا في بعض التّيّارات الفنّيّة القديمة كان الجسد الممتلئ أحد معايير الجمال، كما أنّ التّشكيليّ الكولومبيّ (فرناندو بوتيرو) 1933م عرف بأعماله الّتي تظهر شخصيّات بمقاييس ضخمة، ولا يزال لهذا الاتّجاه أنصاره ومؤيدوه من الفنانيين التّشكيليين تحت مسمّى "جمال البدينات".

وكذلك عند العرب قديمًا فكانوا يطلقون على المرأة البدينة مصطلح "الخدجة" أي الممتلئة الذّراعين والسّاقين، أو "البرمادة" الّتي ترتجّ من سمنتها، و"العبالاء" من كان أعلاها خفيفًا وأسفلها كثيبًا، وكانت البدانة للمرأة من أهمّ مقاييس الجمال عند الرّجل العربيّ، فقد وصفوها بخرساء الحجول؛ لأنّ بدانتها تمنع ارتطام الحجول بجسد المرأة فتصبح خرساء.

ففي العصر الجاهليّ كانت المرأة البدينة تمثّل الصورة المثلى للجمال، فهي ضخمة الأوراك، عظمة العجز، وبدانتها تدلّ على ترفها وغناها ومكانتها، وهذا يدلّ على أنّ الشّعراء كانوا يتغنّون ببنات الطّبقة الحاكمة، فقد كانت مواصفات المرأة وجمالها أن تكون سمينة ضخمة العجيزة ثقيلة الأرداف كاعبة النّهدين كما ذكر ذلك في القرآن (الكواعب الأتراب)، وقد كان العرب قديمًا يتعوّذون بالله من المرأة النّحيفة الزّلّاء" خفيفة الشّحم، ويقولون: "أعوذ بالله من زلّاء ضاوية كأنّ ثوبيها عُلّقا على عود".

أمّا المرأة البدينة فهذا قول أعشى همدان وهو يصف المرأة البدينة حيث يقول عنها:

ثقلت روادفها ومال بخصرها..

كفل كما مال النّقا المتقصّف..

وقول الشّاعر المتوكل:

إذا تمشي تأوّد جانباهــا..

وكـــاد الخصر ينخزل انخزالًا..

تنوء بها روادفها إذا ما..

وشاحها على المتنين جـــــال..

وقول النّابغة الذّبياني:

والبطن ذو عُكَن خميص طيّة..

والصّدر تنفجه بثدي مقعد..

مخطوطة المتنين غر مفاضة..

ريّا الرّوادف، بضّة المتجّرد..

يقول الشّاعر الجاهليّ عمرو بن كلثوم في معلّقته وهو يصف معشوقته:

ومَأْكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنْها..

وَكَشْحا قد جُننت به جُنونا..

يقول أنّ فتحة الباب ضيّقة على حبيبته من شدّة سمنتها، وهي صفة جماليّة بالنّسبة له.

ويقول الأعشى في معلّقته:

غراء فرعاء مصقول عارضها..

تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحلُ..

كأنّ مشيتها من بيت جارتها..

مرّ السّحابة لا ريث ولا عجل..

وكانت من مواصفات الجمال ألا يُحسّ ولا يُرى من المرأة عِرق ولا عظم، يقول هشام ابن عبد الملك عن جاريته ميمونة، وكانت بدينة: "لو أنّ رجلًا ابتلع ميمونة ما اعترض في حلقه منها شيء للينها".

فلماذا تغيّرت نظرة الرّجل لجمال المرأة قديمًا وحديثًا؟

هل لأنّ بدانة المرأة في السّابق لم تكن مفرطة ومنتشرة بين أوساط النّساء مثل اليوم؟

وهل تغيّرت معايير الجمال بسبب تغيّر نمط العيش والسّلوك الغذائيّ والرّياضيّ، وما ينتج عنه من مشاكل صحيّة؟

بقلم: أحمد هادي صحفي ومصور فوتوغرافي يمنيّ.

صحفي ومصور فوتوغرافي مهتم بالفنون البصرية

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

نبذة عن الكاتب

صحفي ومصور فوتوغرافي مهتم بالفنون البصرية