لو أحد سألك ما بك؟ هل ينفع أن تقول: بسكاليا؟
لو سألوك عن حالتك، عن إحساسك، أو عن سبب شرودك، أو صمتك هل ينفع أن تقول أشعر بـ"بسكاليا"؟
قد لا تكون المشكلة في مجرّد السّؤال، وإنّما في أنّ الإجابة أكثر تعقيدًا من أن تستطيع شرحها بالكلمات، ذلك السّؤال "ما بك"؟ هو سؤال غاية في الصّعوبة، وإجابته شديدة التّعقيد، قد تصبح أسهل كثيرًا لو أجبت بأنّك تشعر بـ"بسكاليا"!
أنت تشعر بحالة تأخذ شكل قطعة موسيقيّة صنعها راجح داوود كموسيقى تصويريّة لفيلم "الكيت كات"، الّتي يقال إنّ النّقاد هاجموها واتّهموها بالغرابة وبعدم مناسبتها لقصّة وأجواء الفيلم، ثمّ عاد بعضهم ليمدحها معتذرًا عن مهاجمته ورأيه السّابق، وأنّها فقط نوع جديد من الموسيقى لم يعتادوه في السّينما المصريّة!
(بسكاليا Passacaglia) مصطلح استخدم في إسبانيا ثمّ في إيطاليا في أوائل القرن السّابع عشر لوصف نوع محدّد من الموسيقى.
المصطلح المكوّن من كلمتين بالإسبانيّة pasar أي يمرّ أو يسير، والثّانية calle وتعني الشّارع، ليكون معناها السّائر في الشّارع، ليبدو لك أنّ اسم الموسيقى التّصويريّة يحمل وصف لحالة الشّيخ حسني وخطواته الهائمة في شوارع الكيت كات طوال الفيلم، كما أنّها تحمل وصفًا لحالتك الّتي تعجز عن وصفها بالكلمات لمن يهمّه أمرك ويسأل عنك.
تلك الموسيقى البديعة الّتي تبدأ مع الأرغن والفلوت، فتوحي وكأنّها جزء من قدّاس جنائزيّ، ذلك المزيج يشبه تلك الحالة الّتي تضمّها بين صدرك وتأبى أن تصفها أو تتحدّث عنها مع أيّ شخص، وتفضّل كتمانها ومحاولة نسيانها.
تتصاعد نغمات الكمان الحزينة تصاعد يشبه السّؤال، لماذا؟ كيف؟
من أين تأتي كلّ هذه العتمة في طريقي ما دمت لم أفقد بصري؟ فعلت في مشواري كلّ الأشياء الصّحيحة الممكنة ولا أدري من أين يأتي الخلل؟
كيف تحاملت على نفسي وواصلت خطواتي وأنكرت وجود العتمة في الطّريق تمامًا كإنكار الشّيخ حسني فقدانه لبصره؟ كيف واجهت كلّ هذه الظّلام بمفردي؟ كيف لقدميَّ أن تكون ما زالت قادرة على السّير رغم كلّ هذه التّعثّرات؟
ثمّ تنصت إلى المزيد من نغمات العود الحزينة، فتتذكّر أنّ كثرة التّساؤلات تثقل الخطوات، مهما كنت محاطًا بالعتمة، أنت مجبر على مواصلة الطّريق، لا سبيل سوى مواجهة العتمة والإمعان في تجاهلها.
تواصل بخطوات متباينة بين التّعثّر والجموح، تزهو بنفسك لأنّك رغم الظّلام ما زلت قادرًا على المواصلة، مكتئبًا سعيدًا، بائسًا مبتسمًا.
تواصل طريقك صامتًا بهموم متراكمة، وفي قلبك ألم أكبر من النّسيان وأبسط من الكلمات، حين يسألك أحدهم ذلك السّؤال الشّائك، الثّقيل، المعقّد "ما بك؟"
ترغب أن تجيبه قائلًا: بسكاليا!
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.