على الرغم من مرور أكثر من 60 عامًا على تحرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي ونجاح الثورة الأعظم في تاريخ ثورات الشعوب العربية؛ فإن جرائم فرنسا في الجزائر لا تزال تنبض بالألم وتنزف إحساسًا بالغضب والمرارة في ضمير الشعب الجزائري الذي لم يغفر أبدًا ولم ينسَ ما قامت به فرنسا من عمليات نهب وقتل وتعذيب، إضافة إلى التجارب النووية والمحاولات الهائلة لطمس الهوية والإبادة الجماعية على مدى أكثر من 130 عامًا، وهي مدة الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وفي هذا المقال نوضح لك أبرز جرائم فرنسا في الجزائر التي لا تسمح ذكراها للأجيال الجديدة بأن تنسى ما حدث لأجدادهم على أيدي المحتل الذي كان ينادي بالحرية في أوروبا ويمارس أبشع أنواع القمع والوحشية في بلادنا العربية.
مجزرة 8 مايو
تُعد مجازر 8 مايو عام 1945 من أكبر جرائم فرنسا في الجزائر وأكثرها وحشية، إذ كان هذا التاريخ يوافق احتفالًا كبيرًا للدول الأوروبية نتيجة عقد هدنة مع ألمانيا، وهو ما جعل الشعب الجزائري يحاول استغلال هذه المناسبة من أجل توضيح أهدافه للمستعمر بطريقة سلمية في مظاهرة سلمية رفع فيها الناس الأعلام الجزائرية بجانب الأعلام الفرنسية في مدينة سطيف، وهو ما أثار غضب القوات الفرنسية ودفعهم إلى قتل الفتى الصغير الذي كان يحمل العلم الجزائري.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، وإنما بدأ الفرنسيون في تنفيذ سيناريو هو الأسوأ من ناحية القتل والإبادة الجماعية بلا سبب يستدعي كل هذه القوة المفرطة والوحشية غير المبررة، وامتد الأمر إلى تدخل الطائرات الفرنسية والفرق المصفحة، إضافة إلى القوات البحرية التي كانت موجودة على السواحل الجزائرية، وكأنها مستعدة لهذه المذبحة التي شهدت عمليات قتل جماعي في المدن والقرى التي لم تشارك في المظاهرة السلمية، إذ جرى استهداف النساء والرجال والأطفال، ونفذت الطائرات الفرنسية قصفًا عشوائيًّا ما أدى إلى تسوية القرى بالأرض، وكأنها لعبة ممتعة يمارسها المستعمر الفرنسي.
وفي المدن الكبيرة، دخلت الميليشيات الفرنسية إلى البيوت وألقت القبض على خيرة المثقفين الجزائريين وأصحاب الوعي والمتعلمين، ثم دفعت بهم إلى خارج المدن وأمرتهم بحفر القبور الجماعية تحت تهديد السلاح، ثم قتلتهم فوجًا بعد فوج، ومن أفعالها الوحشية الفرنسية أنها كانت تجعل كل فوج يدفن الفوج السابق، لتصبح مجازر 8 مايو جرحًا غائرًا في جسد الشعب الجزائري وضميره الحي بين عدد من جرائم فرنسا في الجزائر.
مجزرة نهر السين
مع وجود جرائم أكثر وحشية على مستوى الممارسات وعدد الضحايا من مجزرة نهر السين بين جرائم فرنسا في الجزائر، فإن هذه الأحداث التي جرت في فرنسا تعطينا مؤشرًا واضحًا على مدى وحشية المستعمر الفرنسي، فقد نظن أنه قد يمارس هذه الوحشية بعيدًا عن بلاده وعن أعوانه الأوروبيين، إذ ينادي هناك بالحرية والنزاهة والديمقراطية، لكن هذه المجزرة التي دارت أحداثها في فرنسا كانت كفيلة بإظهار ذلك الوجه البشع المعادي للإنسانية والحرية، وتترك ذكرى لا تستطيع فرنسا إنكارها حتى الآن أمام الأجيال الجديدة في فرنسا أو الجزائر.
بدأت أحداث مجزرة نهر السين في عام 1961، إذ فرضت الحكومة الفرنسية حظرًا على الجزائريين الذين يعيشون في فرنسا، وشنت حملة موسعة من التفتيش والتوقيف والسجن والمداهمة على مدار شهور، بالتوازي مع النجاحات الكبيرة التي بدأت تحققها الثورة الجزائرية على الصعيد العالمي، وهو ما دعا جبهة التحرير الوطني إلى الإعلان عن مظاهرة سلمية في باريس لمواجهة القمع والتفتيش الذي تمارسه السلطات الفرنسية.
وفعلًا احتشد نحو 30 ألف جزائري في العاصمة الفرنسية باريس بصورة سلمية، مطالبين الحكومة الفرنسية بوقف حملات التفتيش والمداهمة وحظر التجوال، لكن الفرنسيين لا يعرفون كلمة سلمية فيما يخص الجزائريين، كما حدث من قبل في مجزرة 8 مايو، فهاجمت القوات الفرنسية المتظاهرين وأطلقت الرصاص على الصدور العارية، وحصدت الأرواح دون أن يهتز لها جفن، وألقت بالعشرات من المتظاهرين في نهر السين، على الرغم من أن أحدهم لم يكن يحمل سلاحًا، وإنما تظاهر بناءً على المبادئ التي تنادي بها فرنسا وترعاها القوانين الفرنسية.
الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام الفرنسية خرجت بعد المجزرة لتتحدث عن مقتل ثلاثة فقط من المتظاهرين، في حين تشير الأرقام التي خرجت من جبهة التحرير إلى مقتل مئات المتظاهرين، إضافة إلى جرح أكثر من 3000 متظاهر، بخلاف عدد كبير قبضت عليهم القوات الفرنسية ووضعتهم في السجن، كما جاء في شهادات الأشخاص الناجين من هذه المذبحة وصفٌ لعمليات الدهس وإطلاق الرصاص وإلقاء المتظاهرين في النهر، ومشهد الجثث الطافية، والوحشية التي أظهرتها القوات الفرنسية في مواجهة المظاهرة السلمية، لتحتل مجزرة نهر السين عام 1961 مكانها كونها إحدى أبرز جرائم فرنسا في الجزائر.
جماجم الثوار والمقاومين
أما موضوع جماجم الثوار والمناضلين الجزائريين، فهو أيضًا يعد من أبرز جرائم فرنسا في الجزائر، وربما من أبرز جرائم فرنسا في البشرية، فمنذ دخول القوات الفرنسية إلى الأراضي الجزائرية وهم يمارسون لعبة غريبة لا تمت إلى الطبيعة البشرية السوية بصلة، إذ يحتفظون بجماجم القادة من المناضلين والثوار الجزائريين الذين يقتلونهم بطريقة وحشية، ويرسلون هذه الرؤوس إلى فرنسا، وكأنهم يتفاخرون بعمليات القتل والإبادة، وكأن الذين يقتلون ليسوا بشرًا أو أنهم عرق أقل رتبة، بلا أي حرمة للجسد أو للإنسانية في الأقل.
وعن المؤرخ الجزائري القاضي علي فريد في كتابته عن أحداث ثورة الزعاطشة عام 1849: "حينما وجدت القوات الفرنسية مقاومة كبيرة من قبيلة الزعاطشة، قررت محوها تمامًا من الخارطة، وقامت بعمليات القتل الجماعي، التي شملت الكبار والصغار والنساء والأطفال، ثم قامت القوات الفرنسية بقطع نخيل الزعاطشة، الذي كان يعد مصدر الحياة لسكانها، ثم أمر القائد الفرنسي هيربيون بأخذ رؤوس قادة القبيلة وشيوخها، فتم جمع رأس الشيخ أحمد بوزيان قائد القبيلة وأبنائه، قبل أن تغادر القوات الفرنسية واحة الزعاطشة، وتترك خلفها الجثث المتناثرة، في حين يحملون الرؤوس في أكياس من أجل إرسالها إلى فرنسا."
وفي عام 1937، افتتحت فرنسا متحف الإنسان الذي تحتفظ فيه بآلاف الجماجم البشرية، معظمها لضحايا القوات الفرنسية في دول شتى، إذ وصل عدد الجماجم الموجودة في المتحف إلى نحو 18 ألف جمجمة، ومن بينها مئات الجماجم التي تخص الشعب الجزائري، وجرى التعرف على نحو 36 منها تخص قادة المقاومة الجزائرية ضد القوات الفرنسية. ولعل أبرز هؤلاء القادة الذين احتفظت فرنسا بجماجمهم:
- الشيخ بوزيان
- بو عمر بن قديدة
- سي موسى الدرقاوي
- مختار التيطراوي
- عيسى الحمادي
- شريف بوبغلة
ولعل مسألة جماجم المناضلين الجزائريين التي تحتفظ بها فرنسا تظل إحدى المشكلات العالقة على المستوى السياسي، إذ تطالب الجزائر منذ سنوات طويلة باستعادة الجماجم والرفات التي تخص المناضلين الجزائريين في زمن الاحتلال الفرنسي. وعلى الرغم من استعادة الجزائر لبعض الرفات، فإن القضية مستمرة لاستعادة كل جماجم المناضلين التي تحتفظ بها فرنسا كونها مصدر فخر، لكن الوجه الآخر للعملة يمثل الخزي والعار، كباقي جرائم فرنسا في الجزائر.
محاولات طمس الهوية
ومن بين جرائم فرنسا في الجزائر، تأتي محاولات طمس الهوية، لتظهر بشاعة الاحتلال الفرنسي، فعلى مدى أكثر من 130 عامًا منذ بداية الاحتلال حتى اندلاع ثورة نوفمبر الجزائرية، حاولت فرنسا إخراج الجزائر من حظيرة اللغة والدين والثقافة المتجذرة، إلى ساحة فرنسا "الرائعة المتحررة الوديعة" على مستوى اللغة والدين والهوية. وهو ما يلخصه أحد ضباط الاحتلال الفرنسي في كتاب جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر حين يقول: "كانت حملتنا تعمل على التدمير أكثر من كونها عملًا عسكريًّا، وقد كنا نحرق الأكواخ والقرى، وندفع النساء والأطفال ليتجمعوا في جبال الأطلس المكسوة بالثلج ليموتوا من البرد والجوع".
وهكذا تظهر نية الاحتلال الفرنسي في القضاء على الجزائر بصفتها دولة من ناحية، وهوية من ناحية أخرى، إذ عكف الفرنسيون على محاربة اللغة العربية، وإجبار الأهالي على تعلم اللغة الفرنسية واستخدامها لغة رسمية في البلاد وفرضها في المدارس والجامعات. إضافة إلى ممارسات فرنسا التعسفية في شطب الأسماء العربية للأماكن من معالم وشوارع ومدن، واستبدالها بأسماء فرنسية.
وأصدرت فرنسا مراسيم عدة تقضي بمنع تعليم القرآن إلا بتراخيص خاصة، وتتضمن مجموعة من الشروط التعجيزية، إذ مُنِع استخدام اللغة العربية، وعدم شرح الآيات التي تتضمن الجهاد، إضافة إلى تدريس تاريخ وجغرافيا فرنسا، وتجاهل التاريخ العربي والإسلامي. فإما أن تكون فرنسيًا كما نريد، وإما ممارسة القتل والإبادة الجماعية، والقضاء على قرى برمتها.
جرائم فرنسا في الجزائر.. انتهاكات لا تُنسى
ومع الحملات المستمرة من قبل المستعمر الفرنسي لسلب الأراضي الزراعية الخصبة ودفع الشعب الجزائري إلى الفقر، كانت محاولات التنصير مستمرة عن طريق تحويل المساجد إلى كنائس أو ثكنات للجنود، وبعض المساجد حُوِّلَت إلى إسطبلات للخيول، إضافة إلى عشرات البعثات التبشيرية التي حاولت إنهاء الدين الإسلامي كونها هوية قوية للجزائر، إضافة إلى مصادرة الأوقاف الإسلامية ونشر الطرق الصوفية التي تقوم على الخرافات من أجل ضرب الدين الإسلامي لأنه مكون رئيس في الشخصية الجزائرية، وهو ما نراه من أبشع جرائم فرنسا في الجزائر.
مليون ونصف المليون شهيد
بينما يُشار إلى الثورة الجزائرية بأنها ثورة المليون شهيد، فإن الإحصاءات التي نُشِرَت في السنوات اللاحقة تقول إن ضحايا الثورة التحريرية في الجزائر منذ عام 1954 حتى الاستقلال عام 1962 تتخطى المليون ونصف شهيد، وهو رقم مروع عندما تنظر إليه وفقًا لعدد أفراد الشعب الجزائري في ذلك الوقت، وكذلك حسب المدة القصيرة التي سقط فيها هؤلاء الشهداء بنيران الاحتلال الفرنسي، وهو ما يثبت أن جرائم فرنسا في الجزائر تتخطى جرائم الحرب وجرائم الإبادة والجرائم التي تُرْتَكَب ضد الإنسانية.
ثم إن الأرقام التي أعلنتها الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان عام 2017 قد شملت أعداد القتلى والضحايا الجزائريين على مدار 130 عامًا هي مدة الاحتلال الفرنسي للجزائر التي تشير إلى أن أكثر من عشرة ملايين راحوا ضحية المجازر المتتالية، واستخدام الرصاص الحي في المظاهرات السلمية، وعمليات القصف الجوي والمدفعي للقرى عشوائيًّا، وهو ما يزين قائمة جرائم فرنسا في الجزائر.
التجارب النووية
مع كل هذه الانتهاكات التي قام بها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، لم يبقَ سوى استخدام الأسلحة النووية، وهو ما حدث بطريقة ما، إذ استخدمت فرنسا الأراضي الجزائرية لإجراء مجموعة من التجارب النووية التي اعترف بها المسؤولون الفرنسيون، فقد شهدت المدة ما بين عام 1960 حتى عام 1966 استخدام الصحراء الجزائرية لإجراء 17 تجربة نووية، وهو ما أدى إلى خسائر كبيرة، شملت مقتل أكثر من 42 ألف جزائري، إضافة إلى عشرات الآلاف من المصابين بالعاهات والأمراض بسبب الإشعاعات النووية التي قد تظل سنوات طويلة تؤثر في الصحراء الجزائرية وسكانها.
وعلى الرغم من أن هذه الأرقام قد خرجت من مسؤولين فرنسيين، فإن المؤرخين الجزائريين يقولون إن عدد التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر يتخطى ذلك بكثير، وهو ما يدل على مدى وحشية المستعمر الفرنسي، وعدم مبالاته بأرواح الناس الذين استغل مواردهم ونهب ممتلكاتهم واستعمر أراضيهم واستغلهم في حروبه الخارجية وسرق تاريخهم وآثارهم، ثم جعل أرضهم ميدانًا للتجارب النووية، كونه أحد أبشع جرائم فرنسا في الجزائر.
وهكذا، فإن قائمة جرائم فرنسا في الجزائر تمتد لمئات الأحداث والوقائع، وآلاف الذكريات السيئة، وملايين القتلى، والأغرب من ذلك كله هو عدم اكتراث فرنسا أو اعترافها بهذه الجرائم، وهو ما يقف أمام المسامحة الجزائرية، فما زالت آثار الطعنات والجروح العميقة حية في جسد الضمير الجزائري حتى الآن.
وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن عرضًا لبعض جرائم فرنسا في الجزائر، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقالة على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
رائع
تاريخ من الإجرام والوحشية ضد الشعوب يجب أن يعرفها العالم عن كل محتل.
رائع 🌹🌹🌹
تاريخ من الإجرام والوحشية ضد الشعوب يجب أن يعرفها العالم عن كل محتل.
رائع 🌹🌹🌹
احسنت
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.