إذا أردت أن تعرف كيف يعمل جهاز من الأجهزة وتفاصيل مكوّناته فليس هناك شخص يدلك على ذلك أفضل من الشخص الذي صنع هذا الشيء بيده، فهو الذي ركب كل جزء فيه، وهو الذي يعرف دور كل جزء من أجزائه، ووظيفته بالتحديد.
وبالمثل إذا أردنا معرفة أنفسنا وطبيعة حياتنا فلا بدّ لنا أن نرجع إلى خالقنا الذي خلقنا، وصنعنا، وخلق كل جزء في أجسادنا، وأرواحنا؛ فهو يعرفها جميعًا ويعرف أسرارها ووظائفها. في اليوم العالميّ للنوم الموافق الثامن عشر من شهر مارس من كل عام دعونا نتعرّف على أهمية النوم وأسراره في السطور الآتية.
النوم ذلك السر الأعظم في حياة البشر الذي لا يستطيع إنسان كائناً ما كان أن يعيش بدونه، وذلك لأنه بدون النوم سيهلك الإنسان لا محالة، بل إن أي خلل في عملية النوم تسبب خلل متساوٍ في حياة اليقظة.
والنوم واليقظة حالتان ذهنيتان يتقاسمان حياة الإنسان فاليقظة حالة نشاط ذهني متعلق بالواقع المحسوس، والنوم حالة ذهنية مختلفة من السكون والراحة ينتقل فيها الإنسان من عالم الوعي والمحسوس إلى عالم اللاوعي واللا محسوس، إذ ينعدم إحساسه بالمادة وبالموضوعات من حوله وينقطع عن الحركة والنشاط والتفكير، ويستغرق في حالة غياب عن الواقع؛ لهذا نجد أن أي تفكير في موضوعات الواقع عند النوم تعيق عملية النوم فيصاب الإنسان بالأرق والتوتر.
والإنسان في حاجة إلى النوم كحاجته للطعام والشراب بل أكثر، فإن الإنسان يستطيع أن يعيش فترات أطول بدون طعام أو شراب من التي يستطيع أن يعيش فيها بلا نوم فعدم النوم لمدة يوم واحد يؤدّي إلى عدم التركيز ونقص الإدراك، فإذا تعدت المدة إلى يومين أو أكثر فإنه يبدأ في فقدان التعقل، وقد يرى هلاوس سمعية وبصرية ويصاب بالجنون وقد يهلك تمامًا، لكن من رحمة الخالق أنه لم يجعل هذه الآلية آلية النوم بيد الإنسان، إذ جعل للنوم سلطان كما يقال فهو يتم بطريقة تعسفية أحيانًا عندما يفرط الإنسان في اليقظة فينام غصباً عنه ويغيب عن الوعي، وحتى وإن كان غير مستعدّ للنوم بأن قد ينام فجأة وهو يقود السيارة، أو وهو جالس، أو في أيّ وضع من الأوضاع.
إن حياة الإنسان وحركته ويقظته وجميع العمليات العقلية والجسدية التي يقوم بها تقوم في الأساس على جهازه العصبي وخلايا المخ العصبية التي تعمل بموجات كهربائية في المخ.
والنوم هو بمثابة عملية شحن كهربائية لهذا الجهاز بعد أن يكون قد استنفد جزءًا كبيرًا من طاقته، فإذا لم تحدث عملية الشحن هذه إثر ذلك على عمل جميع أجهزة الجسم تمامًا مثلما يحدث عند انتهاء شحن الأجهزة الكهربائية المخالفة فتتعطل عن العمل.
عندما تكلم الخالق سبحانه وتعالى عن النوم نجد أنه ذكر في آية من آياته في سورة الروم في القرآن الكريم قوله عز وجل: (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) وفي آية أخرى من سورة النبأ يحدثنا فيها عن النوم أيضًا إذ يقول سبحانه وتعالى: (وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا) وسباتا تعنى انقطاعا عن الحركة والنشاط.
وكثير من الآيات نجد أن الخالق سبحانه وتعالى قدّم النوم على اليقظة، والليل على النهار، إذ إن النوم هو سبب استمرار الحياة والانتفاع فيها، فلا يستطيع الإنسان أن يعمل أو ينتج بدون راحة كافية ونوم أو شحن جيد لجهازه العصبي.
في حديث شريف عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليس الإفراط في النوم، ولكن الإفراط في اليقظة؛ فالإنسان يستطيع أن يمدّ في فترة يقظته بما يضره، ولكنه لا يستطيع أن يمدّ في فترة نومه بإرادته فإذا حصل على النوم الكافي فإنه يستيقظ مباشرة بعد أن يكون قد أخذ كفايته من النوم.
أمّا بالنسبة لأفضل أوقات النوم وعدد ساعاته، والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى أيضًا فهي ساعات الليل والظلمة التي تهيئ الإنسان للانقطاع عن العالم المرئي والمحسوسات ليستغرق في النوم ويحصل على فائدته، أمّا ساعات النوم وعددها فذلك يتحدّد تلقائيا حسب حالة الجسم، فالمريض مثلًا يحتاج إلى ساعات أطول من الشخص السليم ليتعافى، وكذلك الرضيع، والطفل، والكبير، والصغير، لكل منهم عدد ساعات مختلف عن الآخر.
أخيرًا فالنوم واليقظة يؤثّر كلٌ منهما في الآخر، فعلى قدر الممارسات الحيوية التي يمارسها الإنسان في حياة اليقظة من طعام وشراب وتفكير يتحدّد نوعية نومه وكيفيته وما يراه من أحلام مزعجة أو سعيدة، وهذا موضوع آخر سوف نتناوله في مقال آخر بإذن الله.
مارس 18, 2022, 2:06 م
جميل استاذنا الفاضل
مارس 18, 2022, 4:53 م
انت الاجمل استاذنا الجميل 🌹
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.