جائزة نوبل في الاقتصاد لبحث أسباب نجاح الدول وفشلها

لماذا تكون بعض البلدان غنية وبعضها الآخر فقيرة؟ هذا السؤال المملوء بالفضول الطفولي، هو الأكثر أهمية في علم الاقتصاد.

اقرأ أيضًا: ما هي المجالات التي تمنح فيها جائزة نوبل؟

لماذا تنجح دول وتفشل أخرى؟

إن مستويات معيشة الشخص لا تتحدد في الغالب بالموهبة أو العمل الجاد، بل بموعد ومكان ميلاده. تاريخيًّا، ركزت معظم نماذج النمو الاقتصادي على تراكم عوامل الإنتاج مثل العمالة، رأس المال، ومؤخرًا التكنولوجيا أو الأفكار.

وكلما زاد مخزون رأس المال للعامل الواحد وزاد إنتاجيته؛ زاد ثراء الدولة. ومع ذلك، لا يزال هناك فجوة: لماذا تمكنت بعض البلدان من تراكم مزيد من هذه العوامل مقارنة ببلدان أخرى؟

إن الفائزين بجائزة البنك المركزي السويدي في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل التي يُطلَق عليها عادةً جائزة نوبل في الاقتصاد، يزعمون أن الأمر يتوقف على جودة الحكومة.

ففي عام 2001 نشر الرجال الثلاثة، دارون أسيموجلو وسايمون جونسون، وكلاهما من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجيمس روبنسون من جامعة شيكاغو، ما أصبح واحدًا من أكثر الأوراق البحثية استشهادًا في علم الاقتصاد، "الأصول الاستعمارية للتنمية المقارنة: تحقيق تجريبي".

وفي الورقة البحثية وضعوا مخططًا للمؤسسات، وقسَّموها إلى "مؤسسات شاملة" (تلك التي حاولت تقاسم الرخاء)، ومؤسسات استغلالية (تلك التي تأخذ فيها مجموعة صغيرة من بقية السكان). وتشجع المؤسسات الشاملة الاستثمار في رأس المال البشري والمادي. أما المؤسسات الاستغلالية فتثبط هذا الاستثمار.

اقرأ أيضًا: جائزة نوبل في الأدب 2022 تذهب إلى الفرنسية آني ارنو

ما هو نهج المتغيرات الآلية

لقد استخدم خبراء الاقتصاد "نهج المتغيرات الآلية" لمعالجة المشكلة المتمثلة في أن التنمية قد تشجع الليبرالية وليس العكس. وقد استغل هذا النهج الاختلافات في معدل الوفيات بين المستوطنين لتحديد المستعمرات الأوروبية التي طورت مؤسسات شاملة وتلك التي طورت مؤسسات استخراجية.

وفي المستعمرات التي كانت معدلات الوفيات فيها مرتفعة، بسبب افتقار الأوروبيين إلى التكيُّف مع الأمراض الاستوائية، استغلت القوى الاستعمارية العمالة المحلية.

وقد يكون ذلك في شكل نظام encomienda في أمريكا الجنوبية، الذي استعبد السكان المحليين، أو مزارع المطاط في الكونغو البلجيكية.

وفي الوقت نفسه، كان انخفاض معدلات الوفيات في الفروع الناطقة باللغة الإنجليزية -أمريكا وأستراليا وكندا- يعني أن القوى الاستعمارية اجتذبت المستوطنين الأوروبيين بمنحهم فرصة المشاركة في الثروة التي أنتجوها عن طريق الملكية الخاصة والأسواق الحرة.

وعلى هذا النحو، كان هناك "انعكاس في الحظوظ" بين المستعمرات. فالأثرياء في عام 1500، وفقًا لدرجة التحضر، أصبحوا الأفقر في العصر الحديث، وهي النتيجة التي ظلت قائمة حتى بعد استبعاد "أوروبا الجديدة" من المستعمرات في أميركا الشمالية وأستراليا.

وافترض السادة أسيموجلو وجونسون وروبنسون أن هذا يرجع إلى أن الثروة الأكبر للمستعمرات الغنية في السابق شجعت على تطوير أساليب الاستخراج، في حين وفرت أعداد السكان الأعلى قوة عاملة يمكن إرغامها على العمل في المناجم والمزارع.

وفي وقت لاحق، عزَّزت ورقة بحثية البحث بـ"التجربة شبه التجريبية" في كوريا الشمالية والجنوبية، حيث أصبح نصف شبه الجزيرة ديمقراطية غنية وليبرالية والنصف الآخر استبداديًا ومعدمًا.

حتى بعد انتهاء الاستعمار، تمكنت النخب المحلية من الاستيلاء على المؤسسات الاستخراجية. وكجزء من ورقة بحثية تحت عنوان "لماذا أفريقيا فقيرة؟"، فحص السيدان أسيموجلو وروبنسون طفرة الكاكاو في غانا. ففي ظل الإدارة البريطانية، فوض المستعمرون الحكم إلى "الزعماء" المحليين، بدلًا من تسهيل ظهور الملكية الخاصة.

وكانت البنية الأساسية التي بناها البريطانيون، مثل السكك الحديدية، تهدف إلى خدمة الاحتياجات الملموسة للبلد الأم، وليس النمو المحلي. ورفض الحكام البريطانيون طلبات من مزارعي الكاكاو لبناء الطرق؛ من أجل تعزيز أرباح السكك الحديدية.

وكان المزارعون الغانيون مضطرين إلى بيع منتجاتهم عن طريق مجلس تسويق الكاكاو الخاضع للسيطرة البريطانية الذي أبقى الأسعار منخفضة. وبعد استقلال البلاد، استمر استخدام مجلس التسويق كنظام لاستخراج الثروة، وإن كان ذلك لمصلحة النخب المحلية.

ولن يشكك سوى قِلة من خبراء الاقتصاد في تأثير الفائزين بالجائزة هذا العام. ولقد كان السيد أسيموجلو على وجه الخصوص يُعدُّ منذ مدة طويلة من بين الحائزين على جائزة نوبل في المستقبل عن عمله في مجال النمو التكنولوجي واقتصاد العمل، فضلًا على التنمية.

اقرأ أيضًا: جائزة نوبل بين العرب وإسرائيل.. هل هناك أمل بعد نجيب محفوظ؟

ولقد اكتسبت البحوث التي تتناول استمرار المؤسسات تاريخيًّا، باستخدام تقنيات شبه تجريبية مثل المتغيرات الآلية، شعبيةً متزايدةً على مدى العقود الثلاثة الماضية.

ولكن كما يحدث غالبًا مع العمل الاقتصادي التجريبي، فقد تعرَّضت أساليب الفائزين بالجائزة للتشكيك؛ فقد اقترح ديفيد ألبوي من جامعة إلينوي أن تقديرات وفيات المستوطنين كانت غير صحيحة، وأنه استشهد بها انتقائيًّا لتملق فرضية المؤلفين.

وأشار إدوارد جلاسر من جامعة هارفارد إلى وجود طرق يمكن أن تؤثر بها وفيات المستوطنين على النمو بخلاف المؤسسات، فقد جلب الأوروبيون التعليم معهم أيضًا على سبيل المثال.

ولقد شكك المؤرخون أيضًا في التقسيم الدقيق للمؤسسات الاستخراجية والمؤسسات الشاملة، فقد تطورت كوريا الجنوبية في ظل دكتاتورية عسكرية، وسمحت الثورة المجيدة في إنجلترا عام 1688، التي حددها السيدان أكيموغلو وروبنسون بعدها بداية صعود البلاد للبرلمان، وذلك بطرد الفلاحين فضلًا على تقييد الملك.

وجمع تطور أميركا بين الحقوق الفردية والديمقراطية للرجال البيض والعبودية والحرمان من حق التصويت لأقرانهم السود. ويمثل صعود الصين الاستبدادية إلى وضع الدخل المتوسط مشكلة أخرى.

وعلى الرغم من كل المناقشات الدائرة حول الأساليب، فإن بحوث الفائزين بالجائزة أثبتت بلا شك أهمية الخصوصية التاريخية، التي دفعت اقتصاديات التنمية بعيدًا عن نماذج النمو المجردة.

ويمثل عملهم انفصالًا عن النظريات التي تفترض مسارًا حتميًّا نحو التحديث استنادًا إلى التجارب التاريخية غير العادية التي شهدتها أوروبا الغربية. ومع أنَّ السادة أسيموجلو وجونسون وروبنسون ربما لم يتمكنوا من تقديم وصف كامل للأسباب التي تجعل بعض البلدان غنية وأخرى فقيرة؛ فإن الأجيال اللاحقة من خبراء الاقتصاد لديها أساس متين يمكن البناء عليه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة