كانت ليلى تجلس أمام المرآة، تعدل تسريحة شعرها كما لو أنها تضع تاجًا على رأس ملكة.
في عينيها كانت تتراقص شرارة غرور لا تخفى على أحد، فلطالما عُرفت بجمالها الذي جعل الجميع يلتفتون نحوها، كأنها لوحة معلقة في معرض دائم.
لكنها لم تكن ترى الحب في عيون من حولها، بل كانت تقيس الناس بوزن محافظهم وجيوبهم، فالمشاعر في قاموسها لم تكن أولوية.
أحمد، ذلك الشاب الذي أحبها بصدق نادر، كان بسيطًا في كل شيء عدا قلبه الذي كان مليئًا بها.
أحبها منذ سنوات، حين كانت الحياة تبدو أكثر براءة وأقل تعقيدًا. حاول أن يمنحها كل ما استطاع، لكن ما استطاع تقديمه لم يكن كافيًا لإطفاء طموحها الجامح نحو الثراء والرفاهية.
وفي ليلة باردة من ليالي المدينة، ظهر في حياتها الحاج فؤاد. رجل أعمال مسن، تقفز الأصفار في حساباته البنكية كما تقفز الفراشات حول الأزهار.
كانت نظرته إلى ليلى أقرب إلى نظرة مقتنٍ جديد إلى قطعة ثمينة تزين واجهة متجر فاخر. لم يستغرق الأمر طويلًا حتى أطلق وعدًا لها بحياة لا ينقصها شيء.
ترددت ليلى للحظة، ربما لثقل الذكريات التي تربطها بأحمد، لكن إغراء المال كان أقوى. أغلقت باب ماضيها دون تردد، وتركت أحمد يحترق بألم الفقد دون أن تلتفت.
الزواج من الحاج فؤاد كان يشبه العيش داخل قفص ذهبي. القصر الفخم والسيارات اللامعة والمجوهرات التي تتلألأ كنجوم الليل لم تستطع أن تملأ فراغ قلبها.
كان فؤاد يعاني من أمراض القلب، ولم يكن باستطاعته أن يمنحها سوى وعود مجمدة في الزمن، وثرثرة لا تصل أبدًا إلى القلب. شعرت وكأنها عروس وضعت في متحف، جميلة ولكن بلا حياة.
كانت تشتاق إلى دفء كلمات أحمد، إلى ذلك الحب الذي كان يملأ حياتها قبل أن تبيع قلبها بصفقة خاسرة.
ذات مساء، قررت أن تهرب من القصر والفراغ الذي يطوقه. ارتدت معطفها، وغادرت إلى النادي الذي كانت تلتقي فيه بأحمد ذات يوم.
دخلت إلى القاعة الواسعة، حيث كانت الأضواء خافتة والموسيقى تعزف مقطوعات حزينة. جلست على ذات الطاولة التي طالما جمعتها به، وكأنها تحاول استعادة لحظات أُهملت في ركن الذاكرة.
كانت تمسك بكأس ماء، تحدق في الفراغ، حين تذكرت ضحكته الصافية وكلماته التي كانت تمنحها الأمان. شعرت أول مرة أن الجدران الفخمة التي أحاطت بها كانت مجرد قفص، وأنها اختارت وحدتها بيديها.
كانت تراقب الناس من حولها، الأزواج الذين يتشاركون لحظات بسيطة دون تصنع أو تكلف. أدركت أن ما سعت وراءه لم يكن سوى سراب، وأن الحب الذي تركته لم يكن يُقدَّر بثمن.
بينما كانت غارقة في أفكارها، سمعت صوتًا مألوفًا خلفها. استدارت ببطء، لتجد أحمد واقفًا، بعينيه ذات البريق الدافئ الذي تعرفه. لم يكن يحمل غضبًا ولا عتابًا، بل نظرة ملؤها الحنين.
"ليلى؟" قالها بصوت هادئ وكأنه يخشى كسر اللحظة.
لم تستطع أن تجيب، لكن دموعها كانت كافية. جلس بجوارها، ولم يسأل عن الماضي، فقط قال: "بعض الخيارات تكلفنا الكثير، لكننا دائمًا نستحق فرصة ثانية".
في تلك اللحظة، شعرت ليلى أن حياتها لم تنتهِ، وأن الحب الحقيقي دائمًا يمنحنا شريان حياة جديدًا إذا كنا مستعدين للمحاولة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.