إنَّ فكرة استيلاء الجن على جسم الإنسان والتأثير فيه بالمرض والأذى شائعة منذ مبدأ الخليقة، فقد كان الناس ينسبون الأمراض إلى الأرواح الشريرة، وكان لهم في ذلك طرائق عجيبة وأعمال غريبة لم تزل منتشرة في كل البلاد المتوحشة.
وقد كانت هذه الفكرة آخذة في التناقص حتى كادت أن تنتهي إلى الصفر، خصوصًا في العالم العلمي، ولكنها قد حَيِيَتْ الآن حياة قوية، وصار يستطيع المُنتصر لها أن يُقيم على صدق قوله ألف دليل محسوس، وسبحان مُغيِّر الشؤون.
هجوم الأرواح الشريرة
روَت المجلة الروحية في عام 1964م عن صحيفة نيويورك ميل أند إكسبرس أن الأستاذين الشهيرين ريشارد هودسن وجيمس هيزلوب اللذين درسا الإسبرتزم بواسطة مدام بيير مدة 12 سنة، قد نشرا نتيجة بحوثهما في كتاب جاء فيه هذه العبارة: "إنَّ عددًا عديدًا من المجانين الذين يُحبسون في البيمارستانات ليسوا مصابين بأمراض عقلية، بل مملوكين لأرواح قد استولت عليهم واستخدمتهم".
هذا ما يُنادي به أستاذان عظيمان بعد أن عُدَّتْ هذه الظاهرة من دلائل التوحش والهمجية.
إنَّ حلَّ مسألة استيلاء الجن على جسم الإنسان يتبع حلَّ مسألتين، وهما: هل في الطبيعة قوة عاقلة مجردة عن المادة؟ وهل لهذه القوة سلطان على المادة وعلى الجسم الإنساني؟
أما المسألة الأولى فمحلولة ومُثبتة بأدلة حسية لا تدخل تحت حصر، فإن كل تجارب الروحيين تُثبتها. وقد وقف الأستاذ الشهير وليم كروكس أمام مئات من أعضاء الجمعية الملكية الإنجليزية، إذ فُوِّض إليه رئاستها عام 1897م، فألقى خطابًا مهمًا جاء فيه هذه العبارة: "وليس في تاريخي العلمي ما هو أشهر من اشتغالي بالمباحث النفسية، فإني نشرت منذ ثلاثين سنة وصف تجارب جربتها، من مقتضاها أن وراء ما ندركه علميًّا قوة يتولاها عقل غير عقل الإنسان العادي".
بقي أن نسأل: هل لهذه القوة تأثير في المادة وعلى جسم الإنسان؟
أما تأثيرها في الجسم الإنساني، فمما لا يصح التردد فيه؛ لأن حالة الوسطاء الذين يستعملهم علماء الروح في الاستحضار تُثبت ذلك إثباتًا محسوسًا؛ فإننا نرى الوسيط يدخل في دور تشنُّج هائل، وربما لطم صُدغَهُ وخمش وجهه، ثم تتخشب أعضاؤه ويصير في حالة مؤلمة.
أحوال الوسيط مع الجن
روى الأستاذ إكزاكوف الروسي في كتابه "المذهب الحيوي والإسبرتزم"، أنه شاهد هو وعدة دكاترة معه أن الجزء الأسفل من جسم الوسيطة مدام ديسبرنس قد تلاشى، في حين كانت الروح قد تجسَّمت من نصفها الأعلى، وقال: "وقد فحصنا ذلك باللمس والنظر فلم نزدَدْ إلا اقتناعًا، ولما ذهبت الروح عاد ثانيًا".
أما في سائر أحوال التجسيم، فإن وزن جسم الوسيط يستحيل إلى النصف، ولا شكَّ في أن نقصان وزن الجسم أو تلاشيَ قطعةٍ منه يدل على أن تلك القوة تستطيع أن تؤثر في الإنسان آثارًا سيئة.
ومن أحسن الشواهد وأغربها على إمكان استيلاء تلك القوة على الجسم، ما رواه الدكتور الألماني سيرياكس عن نفسه، كما رواه عنه الكاتب المعروف جبريل دولن في كتابه "الظاهرة الروحية".
كان هذا الدكتور يريد دراسة الإسبرتزم بنفسه دون واسطة، ليكون اقتناعه ذاتيًّا، وذلك لشدة شكه، فجلس لتلك الغاية هو وامرأته وبعض إخوانه 19 مجلسًا، في غاية الخشوع، ينتظرون روحًا تطرق المائدة أو تظهر بأثر آخر، كما يحصل بحضور الوسيط، لكنه لم ير شيئًا، ومع ذلك لم تَخِر عزيمته.
قال: "في الجلسة العشرين شعرتُ بإحساس ماصٍّ من برودة وحرارة متعاقبتين، ثم أحسستُ بمرور تيار هوائي بارد على وجهي ويدي. ثم شعرتُ بأن ذراعي الأيسر قد تخدَّر وأصبح مشلولًا. ولما كانت تلك الحركة شِبْهَ حركة يد الكاتب، أتت امرأتي بقلم وورقة، فاستولت عليهما يدي اليسرى وأخذت تتحرك في الهواء بسرعة عجيبة، حتى خاف الجالسون أن تصيبهم بحركاتها".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.