(تعيش وتفتكر)، جملة قصيرة تُقال لمواساة شخص عند حديثه عن فقدان عزيز، لكنها في الحقيقة قد لا تواسي بقدر ما تُوجِع.
هذه الجملة التي تتكون من كلمتين، كل منهما تحمل ألمًا مختلفًا.
(تعيش) كأن من فقد عزيزًا لا يزال يعيش كما كان من قبل! لكن الحقيقة أنه لم يعد كما كان أبدًا، لقد فُقِد منه جزء لا يمكن تعويضه، جزء يختلف حجمه وتأثيره من شخص لآخر، لكنه دائمًا حاضر لا يغيب، وليت الأمر يقتصر على الغياب فقط، لكن الذكريات تبقى، الأمكنة المشتركة تبقى، التفاصيل الصغيرة تبقى، وهذا ما يجعل الكلمة الثانية في الجملة أكثر إيلامًا.
(وتفتكر)، كأنه يمكن للإنسان أن ينسى أصلًا. كيف ينسى وهو يستيقظ على صدى صوته، يراه في المارة، في كرسيه الفارغ، في تعليقاته العفوية على أبسط الأشياء؟ تمامًا كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في رثاء أبيه:
ما أَبي إِلّا أَخٌ فارَقتُهُ وُدُّهُ الصِدقُ وَوُدُّ الناسِ مَين
طالَما قُمنا إِلى مائِدَةٍ كانَتِ الكِسرَةُ فيها كِسرَتَين
وَشَرِبنا مِن إِناءٍ واحِدٍ وَغَسَلنا بَعدَ ذا فيهِ اليَدَين
وَتَمَشَّينا يَدي في يَدِهِ مَن رَآنا قالَ عَنّا أَخَوَين
كيف ينسى وهو يعيش بين الذكرى والحنين، ويطالبه الجميع بأن يتجاوز حزنه، كأن للألم زرًا يمكن إغلاقه بضغطة واحدة؟
لكن على الرغم من كل هذا؛ فإنه مع الوقت مع وجود الصديق الذي يُهَدئ من لوعة الألم، ويُذكر المحزون بأن يمنح قلبه مساحة للتأقلم لا النسيان.
فالأصدقاء الحقيقيون لا يطلبون منه التوقف الفوري عن الحزن أو نكرانه، بل يحتضنون صاحبه بلطف، يمنحونه مساحة للحزن دون أن يشعر بالذنب، ويدعمونه بالصبر حتى يجد في قلبه متسعًا للسكينة من جديد.
لذلك بدلًا من هذه الجملة التي قد تُثقل القلب، ربما علينا أن نختار كلمات أكثر دفئًا، أن نخبر من فقد عزيزًا أننا هنا من أجله، وأننا نحترم هذا الحزن، أن نجعل وقته مشغولًا بما يُفيده ويهون عليه ما هو فيه، أو ببساطة أن نصمت ونواسيه بحضورنا.
فالإنسان لا يحتاج إلى من يخبره أن يتجاوز حزنه، بل إلى من يفهم أنه من الطبيعي أن يحزن، وأنه لن يكون وحده في ذلك.
فمن لم يستطع البكاء مواساة للمكروبين فليرحم الباكين، ومن لم يشعر بالألم فليشفق على المتألمين.
مقالة جميلة شكرا لك
شكرا لحضرتك
سلمت اناملك
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.