تتنامى الجهود المبذولة لتيسير "تعليم المعاقين سمعياً" للغتهم العربية، وتمكينهم من امتلاك حصيلة من التراكيب اللغوية ليتحسن اندماجهم في مجتمعاتهم.
تعمل اللغة ـ كأداة للتفكير والتعبيرـ على تحسين تواصل المرء مع محيطه ومجتمعه وعالمه، وتنمية تطوره.. شخصياً، ومهارياً، واجتماعياً، وهي أمور تستوجب إعداد مناهج وآليات تعليم وتعلم اللغة العربية لتلبي تلك الغايات، وتراعي طبيعة اللغة العربية، وتدريب جهاز النطق والكلام لدى المعاق، وتنمية قدرته على فهم اللغة، وإدراك معنى ما يصدر من أصوات. كل ذلك وغيره رهن بدرجة الإعاقة السمعية، حيث تؤثر الإعاقة السمعية على قدرة الفرد على التحكم في الجهاز التنفسي، وخروج الأصوات مع المعاناة من تعثر/ تعطل جهاز النطق والكلام تبعاً لتعطل حاسة السمع، فضلاً عن ضعف في الحس الإيقاعي Rhythm.
وثمة علاقة بين البرنامج التعليمي اللغوي وعتبة الحس السمعي المتنوع، ففي حالة فقد السمع الخفيف، حيث تتراوح عتبة الحس السمعي ما بين (27ـ 40 ديسبيل)، ثمة صعوبة في سماع وفهم الكلام، واستيعاب الموضوعات. فيلزم على الأسرة والمدرسة توفير التدريب على "قراءة الشفاه"، وتصحيح النطق، وإخراج الحروف الهجائية من مخارجها الصحيحة، والتمييز الصوتي فيما بينها، ويكون جلوس التلميذ في الفصل قريباً من معلمه، ليرى وجهه وحركات شفتاه، ويتكلّم ببطء وبصوت مسموع، وبطريق عادية دون تكلف، كما يجب على الطلاب من هذه الفئة استعمال السماعات الفردية خاصّة إذا اقتربت عتبة السمع من (40 ديسيبل).
أمّا الطلاب الذين يعانون من فقد السمع البسيط (41 ـ 55 ديسيبل) فلديهم ضعف في نطق بعض المفردات، لكنهم يفهمون المحادثات على بعد (3-5 أقدام) إذا كانوا في مواجهة المتحدّث، ويفقدون ما يقرب من نصف المناقشات الدراسية إذا كان صوت منخفضاً، ويلزمه معلم متخصص في علاج عيوب النطق والكلام ويستخدم طرائق ووسائل تعليمية جاذبة، ويهتم بتعليم المفردات اللغوية، وتكوين الجمل القصيرة، والقراءة اللفظية دون الاعتماد على الإشارات، كما يتم استعمال السماعات الفردية المناسبة للحالة، وتعلم قراءة الكلام، والمشاركة في الأنشطة المختلفة مع الزملاء والمعلمين داخل الفصل وخارجه، لتنمو قدرته على التعبير، مع الاعتماد على التدريبات السمعية لتنمية ما لديه من قدرة سمعية.
وثمة عيوب في النطق والكلام وفهم اللغة ومحدودية الحصيلة اللغوية عند من يعانون فقداً ملحوظاً في السمع (56ـ 70 ديسيبل). يتمّ التركيز على تعليم مهارات اللغة من مفردات، وكتابة، وقراءة، وقواعد نحوية، ويضع المعاق تحت ملاحظة من قبل مختص ليقف على استجابته السمعية والبصرية، ويمكن للطلاب من هذه الفئة استعمال السماعات الفردية، وتعلم قراءة الشفاه، واستخدام المعين السمعي المناسب مثل جهاز التدريب على النطق، أو جهاز السمع الجماعي.
وتتفاقم عيوب النطق والكلام فيمن يعانون من فقد شديد في قدرة السمع (71ـ 90 ديسيبل). يسمع المعوق الصوات العالية من على مسافة قدم واحد، وهو بحاجة لرعاية تعليمية تفوق مستوى ما تحتاجه الفئة السابقة الذكر، ويبدأ الضعف الشديد جداً في السمع من (91 ديسيبل) فأكثر. ويشعر المعاق بالذبذبات الصوتية أكثر من النغمات الصوتية. ويعتمد على حاسة الإبصار كوسيلة للاتصال، ويعاني تفاقمًا كبيرًا في عيوب النطق والكلام. وفي حالة الصمم الكامل (نحو 120 ديسيبل).. يحتاج الأصم إلى طريقة الاتصال الكليّ Total Communication حيث تتكامل طريقة "الاتصال الشفهي" مع أسلوب "الاتصال اليدوي"، ولغة الإشارة/ والهجاء الأصبعي. مع استخدام المعينات السمعية والبصرية، وخاصّة أجهزة السمع الجماعية، وأجهزة التدريب على الكلام والأفلام والشرائح وغيرها (للمزيد راجع د. محيي شوقي عبد الغفار: أسس بناء مناهج تعليم اللغة العربية للمعاقين سمعياً، مكتبة مصر، 2009م).
ويتضّح أن المعاقين سمعياً ليسوا على درجة واحدة من التجانس، لذا توجد استراتيجيات مُتبعة للتدريب على اللغة منها: إثارة انتباه الطفل، والتدريب على دمج الطالب وتناسب مستوى المنهج اللغوي مع قدرات الطفل، واستعمال الصور والرسوم/ العروض البصرية المرئية المألوفة والنابعة من البيئة، وربط المفردات/ المفاهيم اللغوية المُتعلمة بمدلولات حسية (بصرية ولمسية)، واستعمال كلمات وتراكيب لغوية بسيطة ومتدرجة التركيب والصعوبة، وسهلة النطق ووضوح مخارج حروفها، وتقويم وتطوير الاستجابات القائمة على التقليد.. لفظي وغير لفظي، واستخدام التكرار والإعادة للمفاهيم المُجردة، والدمج والمقارنة والتقوية والتعزيز والتعميم الموجه، وشمولية التدريب، وتنمية التفاعل الجماعي والتعاوني، واستخدام تقمص الأدوار، وأنشطة تعليمية لخلق مهارات وسلوكيات سوية، وتكريس مهارات التدريب اللغوي وفق السياق الطبيعي لممارسة اللغة الحوارية كوسيلة للتخاطب.
ويتمّ الاهتمام باحتواء مناهج اللغة العربية على مفردات ذات جرس معين ومُنغم تحتوي على جميع أصوات الحروف الأبجدية؛ فعند تدريب الطفل المعاق سمعياً على إخراج صوت (الواو) بالحركات القصيرة والطويلة تستعمل كلمات مثل: (وَلد ـ دُود ـ وِسادة). كما يمكن تدريبه على كلمات تحتوي على مقطعين أو ثلاثة مقاطع مثل: و/ لد (كلمة من مقطعين، الأول لصوت واحد).
دو/ د (كلمة من مقطعين، الأول لصوت به مد طويل).
و / سا/ دة (كلمة من ثلاثة مقاطع، الأوسط لصوت به مد طويل).
ولتنمية القدرة على فهم اللغة، وإدراك معانيها، ومتابعة قراءة الشفاه يتم الاستدلال بجمل قصيرة، مألوفة، مترابطة الفكرة مثل: (في الصيف يشتد الحر، ونشرب العصير والماء المُثلج، ونلبس الملابس الخفيفة، ونذهب إلى شاطئ البحر. وفي الشتاء يشتد البرد، ونشرب السوائل الساخنة، ونلبس الملابس الثقيلة. وفي الربيع يصير الجو جميلاُ، وتغني البلابل والعصافير، وتكثر الزهار أحمر، أصفر، أبيض). ويمكن أن يستعان ببطاقات المقارنة للكلمة وعكسها، وبطاقات الألوان كمعينات بصرية. ولتدرّب المعاق سمعياً على التعرّف على صورة وشكل الكلمة، وتجريد الحروف: (بطة- بـ ط ـه – بَ)، (بُوق- بــُ وق – بُ)، (دُب – دُ ب – ب) الخ.
ولتكوين الجمل البسيطة (أبي في البيت – نام بابا)، ولترتيب مفردات لتكون جملة مفيدة: (نظيفة ـ ثياب ـ أمل). وكمثال على التدرب على قراءة جمل ونطفها نطقاُ صحيحا لمخارج أصوات الحروف وفهم معناها: (ذيل الحصان طويل. أُذن القط صغير. ذراع أحمد طويل. أحمد تلميذ نشيط). وللتدرب على فهم عدّة جمل مترابطة الفكرة: (في الشتاء يشتد البرد - ونشرب السوائل الساخنة - ونلبس الملابس الثقيلة).
ويبقى تدريب الأسرة (المعلم الأول والمحضن الطبيعي للطفل المعاق سمعياً) من الأهمية بمكان، حيث ينبغي توفير فرص التواصل مع الطفل في مرحلة مبكرة جداً، ويتم البدء بتطبيق برامج مبكرة عليهم حال تشخيص حالتهم في المهد. وذلك من خلال تنشئته وتربيته في بيئة ناطقة متحدثة، وعدم تجاهله، وتتطلب برامج التدخل المبكر الناجحة وجود فريق متعدد التخصصات من أجل خدمة الأهل والطفل. كما تتطلب التعاون بين المؤسسات المساهمة في العملية التشخيصية والعلاجية والتأهيلية.
ويمكن للأسرة المشاركة بفاعلية في تدريب الطفل المعاق سمعياً ليسهّل استيعابه للغة العربية المنطوقة والتعبير بها؛ لذا وجب إيجاد بيئة أسرية ومنزلية تراعي: التقليل من الضوضاء المحيطة بالطفل إلى أدنى حد ممكن، وجلوس المتحدث بجانب الطفل، والتركيز على الأشياء التي يتم وضعها أمامه، والاقتراب من ميكروفون جهاز السمع من جهة الأذن الأفضل سمعاَ، والتلميح للطفل، بالإشارة، من أجل تنبيهه للاستماع إلى الرسائل الصوتية، والأصوات الموجودة في البيئة المحيطة مثل (طرق الباب، رنين الهاتف، سماع الموسيقى الخ). مع ضرورة ملاحظة المتحدّث والنظر إليه وإلى سلوكه الذي يصدره بلغة الجسد.
وتُقدّر اهتمامات الطفل من حيث عمره، ومرحلة نموه، والأنشطة التي تحقق الأهداف المطلوبة، وتوفر الألعاب التي تصدر أصوات يتم شجيع الطفل على تحديد اتجاهها ومصدرها، كما تستخدم لغة منطوقة غنية بالصفات فوق الصوتية (مثل تغيير نبرة الصوت، وإبطاء الإيقاع، ونطق الكلمات الهامة بشكل أوضح من غيرها، مع زيادة التكرار للمفردات الجديدة، واستخدام جمل بسيطة ذات معنى من كلمتين إلى ثلاث، هذا فضلٌ عن الاستعانة بالوسائل المرئية والملموسة لتكون العملية التعليمية أكثر فاعلية (للمزيد انظر أ.د عبد الرحمن سيد سليمان: الإعاقة السمعية، دليل للآباء والأمهات، مكتبة زهراء الشرق، 2033م، مصر).
والخلاصة: يُمثل الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصّة، وخصوصاً المعاقين سمعيًا، أولوية كبيرة للمعلمين والمؤسسات العامة والأسر سواء بسواء. ويزداد هذا الأمر أهمية مع ارتفاع نسب المعوقين في العالم، وما يلزمهم من توفير احتياجات، وتلبية حقوق ليسهل اندماجهم، لا عزلتهم، عن مجتمعاتهم. وتبقى اللغة عموماً، العربية خصوصاً، وسيلة التواصل والاتصال والاندماج. وما أعظمها من لغة، يستحق أن ينعم بتعلمها المعاقين سمعياً أسوة بأقرانهم الأسوياء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.