تعلق الشباب والفتيات.. متى يتحول التعلق إلى مرض؟

من المشكلات التي يعانيها الوالدان مع أبنائهم في مرحلة البلوغ -المراهقة- تحديدًا دخول الابن أو الابنة في علاقة عاطفية بالطرف الآخر، تصل إلى درجة التعلق وكأنه لا يستطيع تصور حياته بعيدًا عنه. وهو أمر يصيب البيت بالهم والغم والحزن والخوف على مستقبل الابن أو الابنة في هذه المرحلة شديدة الخطر من حياتهما التي توازي مرحلة تعليمية مصيرية، تحدد مستقبلهما الوظيفي.

غالبًا ما تكون هذه العلاقة مؤقتة، مجرد نشوة مؤقتة يشعر بها صاحبها تجاه الطرف الآخر، فأول مرة يشعر باهتمام الجنس الآخر، وهو شيء لم يجربه قط. لذلك، عندما يشرع أحد الأطراف في الانفكاك منها، تصيب الطرف الآخر مشكلات نفسية عميقة، وقد يحدث أن تفتضح هذه العلاقة بسبب الآباء، فيكون مصيرها أيضًا الفشل، وإن تبقت آثارها موجودة لدى كل طرف منهما.

اقرأ أيضًا مرحلة المراهقة.. خصائص ومشكلات

والسؤال المهم هنا: كيف يمكن الابتعاد الآمن وبأقل الخسائر والأضرار؟

مشكلة التعلق تكمن في التعود؛ فالشخص الذي تعلق بالطرف الآخر تعود كل صباح ومساء على محادثته سواء عن طريق الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، أيًا كانت الوسيلة. فهناك نوع من التعود والاهتمام صار جزءًا من روتين حياته، ولذلك عند حدوث تغيير أو انقطاع مفاجئ أو حتى تأخير ولو دقائق يكاد الطرف الآخر يفقد عقله، وتدور كثير من التساؤلات والأفكار بداخله عن الأسباب التي جعلت الطرف الآخر لا يتحدث إليه أو يتأخر في مراسلته.

لذلك، فإن قرار الابتعاد أو الانقطاع المفاجئ، أو أيًا من الأسباب الأخرى، صعب ولا يمكن تحمله، إلا إذا حاول الوالدان بكل جهدهما توسيع علاقات الابن/الابنة الاجتماعية، وإشغال وقتهما بشيء نافع ومفيد، لا يدع لهما مجالًا للتفكير في الطرف الآخر الذي تعلّقا به، ولا يتركا الأبناء فريسة لهذه الحالة التي قد تنقلب إلى مرض.

اقرأ أيضًا المراهقة مراحلها ومشاكلها وكيفية التعامل مع المراهقين ؟

الخطوة الأولى هي قبول الواقع الجديد

وتعني جلوس الوالدين مع الأبناء ومحاولة تفهم مشاعرهم وإبداء مساندتهم ودعمهم، وليس إنكارها أو السخرية منها. فالتعلق والحب ليس مشكلة في حد ذاته، ولكنه فطرة وميل فطري نحو الطرف الآخر، له توقيته المناسب وشخصه المناسب.

الفتاة التي لا تزال في المرحلة الثانوية أو الإعدادية أمامها مستقبل تعليمي عليها أن تخوضه أولًا وتصل فيه إلى المراحل النهائية قبل التفكير في التعلق بالجنس الآخر، لكيلا يؤثر في مسيرتها التعليمية. وإن حدث وتعلَّقت بأحد خلال مسيرتها التعليمية، فيكون ذلك من الباب وليس من الشباك، بمعنى أن يأتي مع أسرته، إلى بيت الفتاة ويطلب يدها رسميًّا.

وفي حالة التعلق هذه، غالبًا ما تكون هناك ذكريات الأمكنة والهدايا حتى الأشخاص التي تذكرنا بالطرف الآخر؛ لذلك، مغادرة هذه الأمكنة والذكريات ضرورة لا بد منها لكيلا يجذبنا الحنين إليها مرة أخرى، فلا نستطيع الفكاك منها.

متى يتحول التعلق إلى مرض؟

تذكر في النهاية أن التعلق هو سجن كبير يعيشه المتعلق بمن يحب أو يتعلق به، لا يستطيع الخروج من هذا السجن إلا بعزيمة وإرادة قوية ونظرة للمستقبل يستكشف بواسطتها هذه العلاقة ومآلاتها؛ فلا يوجد عاقل يرغب بالعيش في سجن شخص آخر.

وكون هذا التعلق عاطفيًّا، فهو أمر ليس بالسهل، والمهم ألا يقع صاحبه فريسة له، بمعنى ألا يظل فارغًا من الأعمال والمهام، لا هم له إلا التفكير في الشخص المتعلق به. بل عليه أن يجاهد نفسه، وأن يمارس حياته طبيعيًّا، ويشغل وقته دومًا بما يفيد، وأن يطور ذاته باستمرار سواء بالكورسات أو الدورات أو حضور الندوات والمؤتمرات، وذلك كله لكيلا يتحول التعلق إلى مرض، فيعيقه عن ممارسة حياته ويشل تفكيره.

التربية الإيمانية

التربية الإيمانية يجب أن تكون حاضرة في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا، فلا يكفي أن نربي الأبناء على الصواب والخطأ من باب العرف والتقاليد، وننسى الجانب الديني المحرك الأساسي لنا في هذه الحياة. الحلال والحرام، والإرث ثقافي ديني، ونماذج وشخصيات فذة جديرة بأن يقتدي بها أبناؤنا، شبابًا وفتيات. وتحتاج هذه التربية من الوالدين إلى الثقافة والاطلاع واستحضار هذه النماذج بصفتها قدوات لأبنائهم في أثناء عملية التربية التي تستمر طوال الحياة.

خلاصة القول

إن مشكلة التعلق ليست بالسهولة التي يتخيلها بعض، فهي تحتاج مجاهدة كبيرة ودعاء لا يتوقف للخروج من هذه المحنة. فنحن في النهاية بشر من لحم ودم وعواطف، ولسنا حجارة؛ لذلك، يتعين على الآباء والأمهات فهم ذلك جيدًا، والتقرب أكثر إلى أبنائهم، والاستماع إليهم، وإشغال وقتهم قدر المستطاع.

وأنتم، أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، من واقع خبراتكم وتجاربكم: كيف يمكن مساعدة الشباب والفتيات الذين وصلوا لمرحلة التعلق بالطرف الآخر؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة