المعلم وفق فلسفة منتسوري يختلف كليًا وجزئيًا عن المعلم في الفلسفات الأخرى، فهو الملقن والمحفِّظ والموجه في العملية التعليمية، لكنه في هذه الفلسفة ليس المصدر الوحيد للمعرفة.
في هذه المقالة رقم (3) ضمن سلسلة التعريف بمنهج وفلسفة الطبيبة والمربية الإيطالية ماريا منتسوري في التربية، سوف نلقي الضوء على أحد أركان هذه الفلسفة ألا وهو المعلم.
المعلم المنتسوري
بالنظر إلى دور المعلم في هذه الفلسفة نجده مجرد مراقب للعملية التعليمية يدوِّن ملاحظاته على استجابات الأطفال للتعلم، فدوره هنا ليس التوجيه والتلقين أو حتى تصحيح الأخطاء، وإنما الملاحظة وإعداد الأنشطة المختلفة التي تشتمل على جوانب الحياة المختلفة، من الحياة اليومية، والرعاية الذاتية والأنشطة الحسية، وأنشطة التعليم بكل فروعه.
من الأسس التي تقوم عليها هذه الفلسفة أنه يجب على المعلم أو المعلمة أن يتعرف على الأطفال في اليوم الأول من الدراسة، وفي وقت قصير، يعرفهم بنفسه، ويتعرف عليهم. وهذه نقطة غاية في الأهمية من شأنها إحساس المتعلم بالأمان والطمأنينة، خاصة وأن واحدة من مشكلات الأطفال الجدد بالمدارس تتمثل في تغير البيئة المفاجئ من البيت إلى المدرسة، لذا يكون في أمس الحاجة لرسائل الطمأنة تلك.
اقرأ أيضًا: ماريا منتسوري.. عندما يقودك الشغف إلى الطفل
الملاحظة والتدوين
أولت ماريا منتسوري اهتمامًا كبيرًا بدور المعلم في فلسفتها التربوية الجديدة آنذاك التي جاءت مختلفة تمامًا لما كان متعارفًا عليه وقتها، فالمعلم المنتسوري منوط به تهيئة البيئة التعليمية وإعداد بطاقات الملاحظة المنتظمة لسلوكيات الأطفال داخل الفصل المنتسوري.
تشمل هذه الملاحظات معلومات عن الطفل من واقع ملاحظة المعلم له، ترصد سلوكيات الطفل من جميع الجوانب النفسية والعقلية والجسدية، أي إنها شاملة لكل جوانب نمو الطفل.
إعداد الوسائل التعليمية
المعلمة هنا لا تتدخل في العملية التعليمية ولا تؤثر في اختيارات الطفل أو حتى توجهه لنشاط معين؛ لأن المتعلم هنا لديه الحرية في اختيار النشاط الذي يحبه ويرغب في ممارسته وفق اهتماماته وقدراته وإمكاناته، ودون النظر إلى مرحلته العمرية.
إعداد الوسائل والأدوات التعليمية المختلفة إحدى المهام المنوط بالمعلم المنتسوري توفيرها للمتعلم في الفصل المنتسوري الذي يضم فئات عمرية مختلفة.
وما يميز الصف المنتسوري الهدوء والانضباط التي تحتم على المعلم والمتعلم في آن واحد الالتزام بالقواعد الموضوعة لحسن سير العملية التعليمية ونجاحها.
اقرأ أيضًا: تعرف على بيئة التعلم في منهج منتسوري
بيئة محفزة
ما يمكن فهمه إذن بدور المعلم في هذه الفلسفة، أنه يعمل على خلق بيئة محفزة ومشجعة للتعلم، وذلك بتوفير الأدوات والوسائل التعليمية المناسبة لاحتياجات الطفل وقدراته، فضلًا على ترتيبها على نحو منظم يسهل وصول الطلاب إليها ولا يعيق حركتهم داخل الفصل.
تتميز الوسائل والأدوات التي يعدُّها المعلم المنتسوري بالمرونة، بما يسمح لهم بالتعلم النشيط من طريق التجربة العملية، فضلًا على تفاعله الإيجابي، كونها أدوات من بيئة المتعلم الحقيقية.
التقييم
تولي فلسفة منتسوري أهمية كبيرة للتقييم، فهو جزء من العملية التعليمية، لكنه يختلف بالتأكيد عن طريقة التقييم التقليدية، فلا مجال هنا لعقد المقارنة بين أداء الطفل بالنظر إلى أقرانه، وإنما يكون التقييم فرديًّا ووفق تقدم الطفل ومراقبة أدائه داخل الصف المنتسوري.
فالمعلم هنا وكما سبق أن ذكرنا، يدون ملاحظاته على ول الطفل من الجوانب كافة، وبذلك يمكنه الوقوف على نقاط القوة والضعف لدى المتعلم، ومن ثم تقديم الدعم إذا اقتضت الحاجة ذلك.
ولعل هذه ميزة تربوية أخرى يمكن استخلاصها من هذه الفلسفة، وهي تجنب عقد المقارنات بين الأطفال، خاصة الإخوة داخل البيت الواحد، لأن ذلك من شأنه أن يثير مشاعر الكراهية بينهم، فضلًا على أنها مقارنة ظالمة؛ لأن كل طفل لديه قدرات وإمكانات تختلف كليًا وجزئيًا عن الطفل الآخر، فإذا كنا نحن الكبار نرفض المقارنة فيما بيننا، فكيف بنا نقبلها على أطفالنا الصغار؟!
اقرأ أيضًا: منهج منتسوري لتعليم الأطفال بالطرق الحديثة
سمات شخصية للمعلم المنتسوري
تتطلب طبيعة العمل للمعلم المنتسوري توافر بعض السمات الشخصية التي تؤهله لأداء مهمته على الوجه الأكمل، مثل الصبر على المتعلم، وأن يكون داعمًا ومشجعًا للمتعلم، وأن يشجع الطفل على التفكير النقدي الإبداعي وحل المشكلات، ويعد الطفل لمواجهة التحديات في المستقبل، وأن يكون قادرًا على اتخاذ القرار السليم.
علاقات إيجابية
فضلًا على ضرورة إقامة علاقات إيجابية بالمتعلم تنشأ على الاحترام المتبادل والتفاهم مع كل طفل على حدة. وأن يكون قادرًا على الإنصات الجيد للطفل وتقديم الدعم المعنوي والتشجيع المستمر بما يعزز دافعية المتعلم نحو التعلم.
المرونة
المرونة واحدة من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المعلم المنتسوري، ما يعني قدرته على تعديل استراتيجيات التعلم وفقًا لتطور كل طفل على حدة الذي من شأنه مساعدة الطفل على التكيف مع البيئة التعليمية والحصول على التعليم الذي يتناسب مع إمكانياته الفردية.
الأنشطة الجماعية
كون الفلسفة المنتسورية تركز على التعلم الذاتي، لا يعني أنها تهمل التفاعل الاجتماعي والأنشطة الجماعية، فالمعلم هنا يؤدي دورًا مهمًا للغاية في تشجيع الأطفال على ممارسة الأنشطة الجماعية التي تعلمهم كيفية العمل معًا وتطوير مهارات التواصل الفعالة والتعاون فيما بينهم.
اقرأ أيضًا: السنوات الأولى في عمر الطفل كما تراها ماريا منتسوري
الخلاصة
يختلف دور المعلم المنتسوري عن المعلم التقليدي، في أنه ليس ملقنًا أو موجهًا حتى في العملية التعليمية، وإنما دوره تيسير العملية التعليمية وتهيئة البيئة وتوفير الأدوات والوسائل المعينة على التعلم، ولا يمكن له تأدية عمله على أكمل وجه دون أن يكون على دراية كاملة بمبادئ وأسس الفلسفة المنتسورية، وكيفية استخدام الأدوات والوسائل، دون التأثير في المتعلم في اختيار أنشطته، فضلًا على ضرورة تمتعه ببعض السمات الشخصية التي تعينه على أداء مهمته.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.